تنظيم الدولة - ارشيفية
في الوقت الذي يخوض فيه تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف إعلاميا بداعش) حربه في أنحاء مختلفة من سوريا والعراق، ملحقا الهزيمة بجيوش أكبر منه وفارضا حكمه وسطوته على مدن بأكملها، فهو أيضا يشن حربا من نوع آخر.. حرب إعلامية متطورة حشد من خلفها شبانا محرومين وتفوق بها على جهود الحكومات العربية في قطع دابر دعواها.، حسبما أفادت الأسوشيتد برس.
ولت تلك الأيام التي كان فيها قادة الجماعات المسلحة مثل أسامة بن لادن يهربون أشرطة فيديو لقناة الجزيرة. اليوم أنصار وداعمو الدولة الإسلامية يستخدمون تويتر وفيسبوك ومواقع تواصل أخرى لجذب مجندين جدد بأشرطة مصورة معدة بإحترافية واضحة تظهر المقاتلين وهم يشنون حربهم المقدسة ويقيمون دولة الخلافة المثالية.
معارضو التنظيم المتطرف يقولون إنه يحاول جر المنطقة ثانية إلى عهد العصور الوسطى بمجازرها المروعة، إلا إن تكتيكه الإعلامي كشف إن الحكومات العربية ومؤسساتها الدينية هي التي لا تزال تعيش في الماضي.
أغلب الحكومات العربية ترى في وسائل التواصل الاجتماعي تهديدا لاستقرارها وأخفقت في تسخير القوة الكامنة وراءها، وفقا للخبراء.
وبدلا من ذلك، حاولت الحكومات فرض رقابتها على الشبكة العنكبوتية ورصدها، لتقوم ببث خطبها وتصريحاتها على وسائل الإعلام الرسمية المتجهمة.
الأسبوع الماضي، أصدرت هيئة كبار العلماء في العربية السعودية بيانا مطولا عبر وكالة الأنباء الرسمية تندد فيه بالإرهاب وتدعو المواطنين الى دعم الجهود المبذولة في مكافحة الجماعات المتطرفة مثل تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة، كما أصدرت السلطات الدينية في مصر بيانات مماثلة بدعم من الحكومة.
قارن ذلك مع ما يصدره إعلام الدولة الإسلامية. موقع الفرقان، الذراع الإعلامية للتنظيم، ينتج أشرطة مصورة مرفقة بمقابلات ورسومات توضيحية وأغاني جهادية كخلفية مع ترجمات بالعربية والإنجليزية. ويبث أشرطة الفيديو ومجلاته الشهرية على مجموعة من مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة موجهة الى الشعوب في العالم العربي وخارجه.
كما يقوم مقاتلو الدولة الإسلامية بالتغريد مباشرة من ساحة المعركة ما يقدم تحديثات حقيقية والخوض في مناقشات دينية مع منتقديهم عبر الإنترنيت.
يقول راي كافيتي، نائب رئيس شركة فاير آي للشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا "لديهم بالتأكيد جيش إلكتروني يقف معهم". وتقوم الشركة بصنع حلول تكنولوجية للدفاع ضد التهديدات الإلكترونية.
وقال فادي سالم، وهو باحث متخصص في وسائل الاعلام العربية ويقيم في دبي، إن ردود الأفعال الفورية من حكومات الشرق الأوسط على قوة وسائل الإعلام الاجتماعية تمثلت في "السيطرة وفرض الرقابة بقدر الإمكان".
وأضاف "عدد قليل للغاية من هذه الحكومات اعتبر هذه الوسائل فرصة لا خطرا".
وقطعت الحكومة المصرية الإنترنت في الثامن والعشرين من يناير عام 2011 خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، كما قطعت الحكومة السورية وسائل الاتصال في المحافظات المتمردة بعد وقت قصير من بدء الثورة ضد بشار الأسد.
واتبعت الحكومة العراقية النهج نفسه في يونيو الماضي، عندما اجتاح تنظيم الدولة الإسلامية معظم مدن شمال وغرب البلاد. وقطعت الحكومة خدمة الإنترنت في عدة مدن سيطر عليها المسلحون، بما في ذلك الموصل، ثاني أكبر مدينة عراقية.
وأظهرت دراسة أجراها مختبر "ستيزن لاب" بجامعة تورونتو أنه رغم حجب تطبيقات التراسل عبر الهاتف النقال ومنصات وسائل الاعلام الاجتماعية، فإن السلطات العراقية فشلت في حجب سبعة مواقع تابعة أو داعمة لتنظيم الدولة.
وفي هذا السياق، قال عبد العزيز الملحم المتحدث باسم وزارة الثقافة والإعلام السعودية "من الصعب شن حرب على الأفكار على شبكة الإنترنت".
وأضاف "عندما نتحدث عن محاولة مراقبة أو السيطرة على وسائل الاعلام الاجتماعية، فإنها مثل محاولة السيطرة على الهواء، وهذا بالطبع أمر صعب".
وقالت إدارة "فيسبوك" إن لديها 71 مليون مستخدم نشط في الشرق الأوسط. وتشكل نسبة الشباب بين عمر 15 و 29 عاما سبعين بالمائة من عدد المستخدمين في المنطقة العربية، وفقا لتقرير أصدرته كلية دبي للإدارة الحكومية.
وقالت إليزابيث ليندر، مدير العلاقات الحكومية والاقتصادية بشركة فيسبوك، إن حكومات الشرق الأوسط لا تزال في المراحل الأولى من تحقيق الإمكانات الكاملة من وسائل الاعلام الاجتماعية. وتقدم ليندر المشورة لحكومات بشأن إمكانية استخدام الفيسبوك بشكل أفضل.
"الشيء الأكثر أهمية هو أن تكون هناك. هذا شيء أشجع الحكومات على القيام به. يجب عدم ترك الإنترنت بل ينبغي الدخول إليه"، حسبما قالت ليندر للأسوشيتد برس على هامش مؤتمر وسائل الاعلام الاجتماعية في دبي.
الولايات المتحدة، التي ناضلت طويلا لتشكيل دبلوماسية عامة فعالية في المنطقة، نجحت في ذلك. فوزارة الخارجية الأمريكية أطلقت حملة بعنوان "فكر ثانية وعد أدراجك" على مواقع يوتيوب وفيسبوك وتويتر تضمنت تسجيلات فيديو باللغتين العربية والإنجليزية مماثلة للأسلوب الذي يتبعه تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية.
وكان أحد هذه التسجيلات بعنوان "نشر غسيل القاعدة القذر" في حين أظهر آخر أطفالا يزعم أنهم قتلوا على يد هذه المسلحين.
لكن لم يستطع أحد تتبع المقاطع المرئية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي تمزج بين الصور الوحشية للقتل وقطع الرؤوس الجماعي -والتي تهدف إلى بث الخوف في قلوب أعدائه- مع تصويرات بطولية لمقاتليه كنماذج في الشجاعة والتقوى.
وأتي مقطع مرئي مدته خمسة وخمسون دقيقة بعنوان "ألسنة لهب الحرب" مع مقطع مرئي كمقدمة خاصة به، ويعرض صورا لتفجيرات دبابات ولجنود أمريكيين جرحى.
ونشر الفيديو هذا الشهر بواسطة ما يزعم أنه مركز الحياة الإعلامي التابع للتنظيم. ويقوم الفيديو بتصوير المسلحين بشكل مثالي على أنهم "محاربون" ورجال صادقون".
والرسالة الموجهة إلى الشباب المغترب في المنطقة وفي الخارج هي إنهم يستطيعون أيضا شن حرب مقدسة، ويقومون بالانتقام ممن ينظر إليهم على أنهم يضطهدون المسلمين، وبناء مجتمع عادل مبني على القانون الإلهي.
وكانت أكثر مقاطع الفيديو التي اجتذبت الانتباه في الغرب هي التي تظهر رجلا مقنعا يقوم بقطع رقبتي صحفيين أمريكيين وعامل إغاثة بريطاني في الصحراء. وتوثق مقاطع أخرى الحياة في محافظة الرقة التي يسيطر عليها المسلحون شرقي سوريا، وتدعو المجندين المحتملين باحتفاء للانتقال إلى هناك.
ويقول أحد مقاتلي التنظيم لرجال وأطفال سوريين في فيديو يسمى "خير أمة": "نريد أن نكون إخوتكم وأن تكونوا إخوتنا".
ويظهر الفيديو العربي ذو الترجمة الإنجليزية مجتمعا يقوم في رجال أتقياء بأعمال الشرطة في الشوارع، ويقضون على المخدرات والخمور ويتأكدون من أن الجميع يصلون في جماعة معا في المسجد. ويوزع المسلحون الطعام على المحتاجين ويتأكدون من أن الأسعار عادلة في الأسواق المحلية.
بالنسبة للعديدين فإن ذلك يفرض رؤية لعالم أفضل، ويقف ذلك في مقابلة صارخة مع معظم دول المنطقة والتي يترأس فيها مستبدون طاعنون في السن حكومات ينظر إليها على أنها فاسدة ومتحجرة.
ويقول خبراء إن محاربة تلك الرؤية يتطلب أكثر من إسكات المدافعين عنها ببساطة.
وقال سالم "الرقابة والمنع التامين بالفعل لا يعملان. سيستمر الأمر كلعبة قط وفأر ... طريقة أخرى هي استخدام تلك الأدوات لجذب الناس بعيدا عن تلك الأفكار. مزيج من الأمرين أمر مطلوب".
مصر العربية
0 التعليقات:
Post a Comment