في ١٤ مايو ٢٠١٠ قامت طالبة تُدعى " روشونارا كودهري" Roshonara Choudhry بطعن ستيفن تيمز Steven timms وزير المالية البريطاني الأسبق. وقالت الطالبة التي تبلغ من العمر ٢١ عاماً، أن هذه الطعنات انتقاماً منه لدوره في حرب العراق.
أثبتت التحريات أن "كودهري" كانت تشاهد بكثرة فيديوهات القاعدة على موقع يوتيوب، وأنها تأثرت بها لدرجة حولتها إلى " متطرفة "، وقررت الانتقام ممن ساهم في معاناة العراقيين.
لم يمت الوزير الأسبق، وعاقبت المحكمة كودهري بالسجن لمدة ١٥ عاماً. [1]
خرجت بعدها وزيرة الأمن البريطانية البارونة نيفيل جونز Baroness Neville-Jones وأدلت بتصريح في الولايات المتحدة الأمريكية قالت فيه إن مثل هذه الفيديوهات الموجودة على موقع يوتيوب تشجع على القتل بدم بارد وبالطبع هي ضد الأخلاق المتفق عليها بين الناس
بعد هذا التصريح قررت إدارة موقع يوتيوب حذف العديد من فيديوهات القاعدة من علي الموقع [2]
-----
وقعت شركة جوجل في صراعات لا تنتهي بسبب الصراع السياسي الدائر في هذا العالم، وبسبب قوانين كل بلد والتي تعتبر وجود بعض المعلومات أو توجيه بعض الإهانات جريمة يجب منعها بأي ثمن.
في عام ٢٠٠٧ اكتشف المدون المصري وائل عباس أن حسابه على اليوتيوب قد تم تعليقه بسبب عرضه لفيديوهات تكشف التعذيب الشديد الذي يتعرض له المصريين داخل سجون الشرطة ومعتقلات أمن الدولة.
علق موقع يوتيوب وقتها أن وائل قد انتهك سياسة الموقع برفعه لفيديوهات بها عنف شديد، وهذا يقتضي تعليق حسابه أو حذفه
لكن وائل قال إن هذه الفيديوهات مهمة جداً ولا يجب أن يتم اعتبارها كانتهاك لسياسة الموقع لأنها تؤثر في الرأي العام كما حدث مع الصور القادمة من سجن أبو غريب [3]
في المواقف، اعتبرت جوجل أن هذه الفيديوهات تدعو للكراهية وتنتهك سياستها التحريرية … لكن هناك مواقف أخرى رفضت فيها جوجل الاستماع للدعوات المطالبة بحذف الفيديوهات
ففي عام ٢٠٠٧
قرر البرلمان التركي أن يعطي للقضاء الحق في إغلاق أي موقع يسمح أو يدعو لارتكاب جرائم محددة… كان من هذه الجرائم الثمانية: الإباحية، والاغتصاب والمقامرة، و"إهانة كمال أتاتورك " مؤسس العلمانية في الدولة التركية
وبسبب وجود فيديو تم رفعة من حساب يوناني يسخر فيه من أتاتورك طلبت المحكمة التركية من إدارة يوتيوب حذف الفيديو أو ستقوم بحجب الموقع في تركيا، ورفضت إدارة يوتيوب حذف الفيديو بحجة حرية التعبير، مما أدى لغلق الموقع لمدة عامين كاملين، وتم رفع الحظر عن الموقع عام في أكتوبر ٢٠١٠ بعد حذف الفيديوهات منه، والطريف في الأمر أن إدارة يوتيوب أعلنت أنها لم تحذف هذه الفيديوهات بل قام طرف ثالث بحذفها [4]
ومن يومين فقط، قام البوليس البرازيلي بالقبض على المدير التنفيذي في شركة جوجل فابيو سيلفا Fabio Jose Silva بسبب رفض جوجل حذف فيديو مسيء لأحد المرشحين على انتخابات عمدة المدينة في البرازيل …
اعتبرت الحكومة البرازيلية أن هذا الفيديو خارق لقواعد الانتخابات البرازيلية التي تمنع منعاً باتاً الإهانة الشخصية لأي مرشح من المرشحين في الانتخابات … وقد تم إطلاق سراح المدير التنفيذي بعد الحصول على وعد منه بالقدوم في موعد المحاكمة، وقال المتحدث الرسمي لجوجل في هذه القضية إن الشركة لا يمكنها أن تتحكم في المعلومات التي يتم نشرها على الموقع
وقبل شهر واحد فقط، كان قد تم إلقاء القبض على مدير تنفيذي آخر لجوجل في البرازيل بنفس التهمة بسبب فيديو مسيء آخر لأحد المرشحين، ولكن جوجل استطاعت إقناع القضاء البرازيلي أنها غير مسئولة عن هذه الفيديوهات … هي فقط توفر أرضية لعرض كل الأفكار [5]
عندما ننظر إلى حرية التعبير عبر الانترنت فإننا سنجد أنفسنا في مواقف نسبية … جوجل التي قالت أنها يجب أن تدافع عن حق الناس في التعبير عن أنفسهم قامت بمنع فيديوهات القاعدة لأنها تسببت في إصابة وزير الخزانة البريطاني الأسبق … بينما رفضت حذف الفيلم المسيء للنبي رغم تسببه بمقتل عدة أشخاص حول العالم منهم السفير الأمريكي …
المضحك، أن جوجل لم تستطع أن تثبت على مبدأها في الصين حيث استجابت عام ٢٠٠٢ لضغوط الحكومة الصينية ووقعت اتفاقية تقضي بحجب أي نتائج في البحث تسمح بحصول الصينيين على معلومات حول مظاهرات ميدان تينانمين عام ١٩٨٩، أو حول استقلال التبت أو تايوان، أو حول حركة فالون جونج، هذا غير معلومات أخرى ترى الحكومة الصينية أنها تضر بمصلحة البلاد. وكانت حجة جوجل وقتها أن حجب بعض المعلومات أفضل من حجب الموقع كله … وتعهدت أنها لن تعطي معلومات للحكومة الصينية عن هولاء الذين يبحثون عن معلومات حول هذه القضايا، وقد عُرف هذا باسم اتفاقية " الجدار الناري العظيم " "The Great Firewall of China" على غرار اسم " سور الصين العظيم " [6]
إننا عندما نتأمل هذه الحجة نجد أن جوجل تناقض نفسها، فهي رفضت حجب فيديو سياسي في تركيا مما أدى لحجب موقع يوتيوب لعامين كاملين … بينما وجدت أن حجب بعض المعلومات السياسية الهامة أفضل من حجب الموقع كله في الصين … وهو ما قد نفسره بأن مئات الملايين من الصينيين يحققون أرباحاً كبيرة للشركة بصورة قد تؤثر بشدة في حال حجب الموقع … بينما لو نظرنا للعدد الحقيقي المستخدم للانترنت في تركيا أو بعض الدول العربية نجد أنه قد لا يؤثر كثيراً على جوجل
جدير بالذكر أن اتفاقية " الجدار الناري العظيم " قد ألُغيت عام ٢٠١٠ بعد تسريب معلومات من السفارة الأمريكية في بكين أن الحكومة الصينية كانت وراء عملية القرصنة الشهيرة على عدد كبير من الشركات كأدوبي وياهو وهو ما عرُف بـ Operation Aurora
في النهاية، الضغوط السياسية على هذه المواقع تأتي بنتيجة أحياناً … ويجب أن تُسلك سُبلَها، وهي تُعبر بشكل ما عن احترام قوانين الدولة …
فما فعلته البرازيل من اعتقال المدير التنفيذي لجوجل لم يكن لأن هناك معلومات ضد الحكومة، بل احتراماً لقانون الدولة الذي يمنع إهانة أي من المرشحين أثناء الانتخابات …
وحسناً فعلت كل من الجمعية المصرية للتنمية القانونية وجمعية "أفق التنمية" برفع دعوى قضائية امام محكمة القضاء الإدارى، ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير الاتصالات ورئيس مرفق تنظيم الاتصالات ورئيس الجهاز القومي للاتصالات ووزير الاستثمار ورئيس هيئة الاستثمار والممثل القانوني لشركة جوجل مصر والشرق الأوسط مطالبين فيها بوقف وغلق موقع "جوجل فى مصر" لمخالفته بنود الخدمة وتهديد الأمن والسلام الاجتماعى لما قامت به من عرض فيديو مُسىء للمعتقدات الدينية الإسلامية. [7]
لأن هذا قد يُعتبر وسيلة لاحترام الدولة وهيبتها كما حدث في البرازيل وفي قصة كودهري مع الوزير البريطاني
لكن، يبقى هناك بُعد آخر وخطير، وهو أن الحكومات قد تستغل هذه الأحداث في غلق العديد من منابر الحرية … تخيلوا مثلاً لو وافق موقع يوتيوب على منع رفع أي فيديوهات عنيفة للثورة التونسية أو المصرية أو الليبية أو اليمنية أو السورية استجابة لطلبات الحكومات!!
إن دفاع هذه المواقع عن كل فيديو تم رفعه عليها، وقلة عدد الاستثناءات نتيجة للضغوط الكبيرة، يحمل فائدة كبيرة لكل شعب قد يناضل يوماً من أجل حريته، وهو ما لمسناه بشدة وقت الثورة
مؤخراً، قررت السعودية غلق كل المواقع التي يمكن من خلالها مشاهدة الفيلم المسيء للرسول بما فيها موقع "يوتيوب" [8]
وموقع " يوتيوب " هو أهم موقع يتواصل عليه الشباب السعودي ويعرضون عليه أفكارهم الجريئة بكل حرية، وهو الموقع الذي قد يؤدي في يوم من الأيام لإشعال ثورة هناك
حتى لو كانت مجرد ثورة فكرية
0 التعليقات:
Post a Comment