شىء طيب أن يظهر الرئيس مرسى فى المساجد وأن يلتقى جماهير المصلين المسلمين، إلا أن صورته ستكون أكثر صوابا وتوازنا لو أنه قام بزيارة مماثلة للكاتدرائية القبطية، ليس مجاملة ولكن لكى يثبت صورته باعتباره رئيسا لكل المصريين. ذلك أنه إذا كان من حق أى مواطن أن يعتز بهويته الدينية، مسلما كان أم مسيحيا، فإن رئيس الجمهورية يتعين عليه إلى جانب ذلك أن يقنع المجتمع بأنه رئيس الجميع، بمختلف انتماءاتهم الدينية والفكرية وتوجهاتهم السياسية.
أفهم ان الرئيس مرسى مرشح الإخوان المسلمين. وأنه إلى جانب كونه أكاديميا مقتدرا إلا أن له باعه الطويل باعتباره رجل دعوة، وقد تحمل الكثير جراء ذلك، لكننى أتصور أنه منذ انتخابه رئيسا للجمهورية وحلفه اليمين ينبغى أن يبدأ صفحة جديدة لا يتحلل فيها فحسب من التزامه التنظيمى ــ وقد فعل ــ وإنما أيضا عليه أن يطوى صفحة رجل الدعوة إلى الله لكى يخاطب الجميع باعتباره رجل دولة مهجوس بخدمة الناس. وإذا كان فك الارتباط التنظيمى أمرا ميسورا، إلا أن التحول الثانى ليس سهلا، وقد لمسنا ذلك فى خطاباته المتأثرة بلغة رجل الدعوة ولم يظهر فيها التحول المنشود، إلى لغة رجل الدولة، وهو ما أزعم أنه يتطلب بعض الوقت، خصوصا إذا وضعنا فى الاعتبار أن تسلم منصبه منذ شهرين تقريبا، وان النقلة كانت من القوة بحيث لم تخطر له أو لغيره على بال.
فهمت أن فكرة زيارة الكنيسة القبطية طرحت فى دوائر الرئاسة، وانها تأجلت بسبب وفاة البابا شنودة واللغط والتجاذب المكتوم المثار حول خلافته فى الأوساط الكنسية، وقيل لى إن البديل المقترح الآن هو ان يقوم الرئيس بزيارة أحد الأديرة لإيصال الرسالة التى تقدمه بحسبانه رئيسا لكل المصريين.
أدرى أن ثمة حرصا من جانب بعض الدوائر على محاصرة الرئيس فى كونه «إخوانيا» لا يتحرك إلا بتوجيه من مكتب إرشاد الجماعة. ورغم نفيه لاستمرار ارتباطه التنظيمى بالجماعة. وحرصه فى اختياراته وقراراته على تأكيد ذلك المعنى من خلال محاولة الانفتاح على أطياف الجماعة الوطنية، إلا أن تلك الدوائر الممثلة فى السياسة والأبواق الإعلامية تصر على تجاهل ذلك الجهد وإفشاله. علما بأننا إذا دققنا جيدا فى اختياراته وقراراته فسنلاحظ ان ما يحسب عليه أنه تعامل مع الإخوان باعتبارهم فصيلا سياسيا له حضوره المعتبر فى الساحة السياسية المصرية، ولم يعمد إلى اقصائهم على النحو الذى كان سائدا طوال العقود التى خلت. لذلك فالاعتراض قائم فى جوهره ــ لدى البعض على الأقل ــ على مبدأ وجود الجماعة وإضفاء الشرعية على تمثيلها فى بعض مؤسسات الدولة. والذين يمثلون هذا الاتجاه لايزالون يفكرون بعقلية العقود الخوالى، التى اعتبرت الاقصاء والحظر هو الأصل، وان الحضور الوحيد المسموح به للجماعة ينبغى ألا يتجاوز حدود السجون والمعتقلات.
فى هذا السياق، لم يعد سرا أن بعض القوى السياسية الساعية إلى محاصرة الرئيس فى عباءة الجماعة والترويج لفكرة «الأخونة» تمارس ضغوطا قوية لإثناء الناشطين والمثقفين عن قبولهم المشاركة فى أى إطار مؤسسى يسعى الرئيس مرسى لتشكيله لمعاونته فى مهمته.
وفى حدود علمى فإن بعضا من أولئك الناشطين قبلوا بتلك المشاركة حين عرضت عليهم، ثم اعتذروا عن ذلك فى وقت لاحق (مساء ذات اليوم فى بعض الحالات). ومنهم من قال صراحة إنه تعرض لضغوط من جماعته لا قبل لهم بها.
لست أشك فى أن هناك مصلحة وطنية فى تحويل الرئاسة إلى مؤسسة تمثل فيها مختلف القوى السياسية، كما ان هناك مصلحة وطنية فى تواصل الرئيس ليس فقط مع القوى السياسية ولكن أيضا مع المؤسسات الدينية التى تمثل المسلمين والأقباط، إلى جانب المؤسسات المدنية التى مثل النشاط الأهلى.
بذات القدر فلا أظن أن هناك مصلحة وطنية فى محاصرة الرئيس فى محيط الإخوان وعباءتهم، وانما يتعين علينا أن نساعده على الخروج من ضيق الجماعة إلى سعة الوطن. نريده أن يخرج من برج الرئاسة ويتجاوز أسواره العالية، إلى الشارع متجاوزا المسجد والكنيسة والأطر التقليدية الرسمية والسياسية.
لقد حمدت للرئيس ذهابه إلى سيناء بعد قتل الجنود والضباط المصريين فى رفح، لكننى افتقدته فى المنوفية حين تكشفت فيها كارثة تسمم الأهالى بسبب تلوث مياه الشرب. وأشدد هنا على أنه لا يعنينى فى ذلك أن تتحسن صورة الرئيس، بقدر ما يعنينى أن يشعر المواطن بأن الثورة لم تسقط نظام مبارك فحسب، ولكنها فتحت له أبواب الأمل فى أن يسترد كرامته واعتباره.
0 التعليقات:
Post a Comment