نشأت في هذا المجتمع، دخلت مدارسه واستمعت لشيوخه واعتقدت أن الناس كلها تفكر كما نفكر، وأن العيب واحد عند الجميع، والخطوط الحمراء لا يقترب منها أحد
ثم دخلت هنا، على الفيسبوك، لأرى الناس تعبر عن أفكارها دون خوف، واكتشفت لأو
ل مرة أن هناك من يدوس على الخطوط الحمراء بجرأة ووقاحة
كانت صدمة حضارية ... للمرة الأولى أصادف الإلحاد ... من يسخر من الله علناً ... من يسب الله بأبشع الألفاظ ... من يلقي بالشبهات التي لم أكن أسمع عنها من قبل ...
وكنت أسمع وأقرأ وأحاول أن أجادل ... ولكن كان الجدال من طرفنا ساذجاً ... أي سذاجة أشد من أن تذهب لملحد وتقول له: لو لم ترض بحكم الله فلا تعش تحت سمائه ... ظناً مني أن هذا هو الرد المفحم ... كيف سيجيب على هذا الرد القاطع ... فتأتي الإجابة البسيطة منه: ومن أدراك أنها سماؤه؟!! من أدراك أنه أصلاً موجود
كانت الشبهات تتسرب للقلب رويداً رويداً ... وكنا من النادر أن نجد من يجيب بعقل ... نعم .. العقل ... كان حديث الملحدين بالأساس يخاطب العقل بينما كانت جموع المدافعين عن الدين تخاطب العاطفة ...
أذكر أن البعض كان يجادل الملحدين ويستشهد بآيات من القرآن ... كيف تستشهد بكتاب هو لا يؤمن به من الأساس ...
على سبيل المثال: دخلت يوماً على البالتوك في غرفة يسأل فيها بعض المسيحيين المسلمين: لماذا تصومون رمضان؟!
يقول المسلم بسرعة: شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن
يكون الرد المفاجيء: هل نزل القرآن في رمضان أم طوال ٢٣ سنة؟
يجيب البعض أن أول آيات القرآن نزلت في رمضان
لكن الآية واضحة: أُنزل فيه القرآن ... القرآن
ويتوقف الرد!
هذا الزلزال الذي كان يعصف بنا جعلنا نعيد التفكير في علاقتنا بالإسلام
هل نحن حقاً على صواب؟
نحن قلة مستضعفة متخلفة، بينما غير المسلمين معهم القوة والعلم ...
لماذا نؤمن بأننا على صواب
وعندما نفكر نجد أننا لا نملك أي دليل علي أننا أصحاب الحق ... نحن فقط آمنا بهذا لأن الأب والأم والمدرس وشيخ المسجد والمذيع أخبرونا بهذا
لكننا لا نعرف شيئاً عن الدين ... لا نعرف كيف أنُزل القرآن في رمضان، وكيف نزل في ٢٣ عام؟
ما أدراني إن كنت سأجد نفسي بعد الممات في النار لأني مثلاً لم أؤمن بألوهية بوذا؟!
في هذه اللحظة من عدم الإتزان ... إما أن تبحث كثيراً حتى تصل للجواب ... وإما أن تستسلم للشبهات وتغير من دينك
اخترت أنا أن أبحث ... وانكببت على الكتب ... كل شبهة كنت أقرأ عنها الكثير .. اقرأ المزيد ... أبحث عن الجواب العقلي لا عن الجواب الديني ... وأسأل ... ولا أخشى من أي سؤال ... أسأل بجرأة عن الله ... وعن عدله ... هل هو عادل؟! ... أسأل عن النبي والصحابة ... عن صحة المرويات ... أسأل وكني على غير الإسلام وأريد أن أكتشفه قبل أن أقرر هل سأدخله أم لا
ووجدت أن الإسلام يستوعب كل أسئلتي ... ووجدت أن كل ما سألت قد سُئل من قبل ... آلاف المرات ... وأن الناس في الماضي لم تكن تستحي من السؤال بكل جرأة ... وأن تعلن أن لديها من التحفظات على بعض الأمور وتجتهد للبحث عن تفسير مختلف ... وأن عمر عارض النبي مراراً فلم يُتهم بالإساءة
وعلمت أن هناك فارق بين فعل " أنزل " بهمزة القطع وفعل " نزل " بدون الهمزة ... وأن " أنزل " يعني أنه قد أُنزل جملة واحدة ... بينما "نزل" تعني النزول على مراحل
وأن القرآن قد "أنزل" جملة واحدة بالفعل في ليلة القدر، في رمضان ... ولكنه نزول من اللوح المحفوظ للسماء ... ثم " نزل " به جبريل علي محمد طوال ٢٣ سنة
ولهذا كلما ذُكر رمضان أو ليلة القدر مع القرآن ذُكر فعل " أنزل "
بينما كلما ذُكر النبي جاء فعل " نزل "
إنا "أنزلناه " في ليلة القدر
إنا نحن "نزلنا" عليك القرآن تنزيلا
والآية الجامعة لهذا:
وبالحق أنزلناه وبالحق نزل
إن الأديان لا تُورث ... بل يجب أن تمر عليك لحظة تتحقق فيها من هذا الدين الذي تحمله بين يديك ... أن تقرأ الإسلام كأنك تقرأ دين لا تعرفه وتريد أن تقتنع ...
إن الله عادل، ومن عدله، ألا تدخل الجنة لأن "بابا وماما كانوا مسلمين وقرأوا الآذان في أُذنك يوم وُلدت" ... بينما يدخل إنسان مثلك النار لأن " بابا وماما يعبدون بوذا "
قد تكون محظوظاً بأنك وُلدت على الإسلام، لكن إن لم تدرك هذه القيمة فعلاً فقد تواجه مشكلة حقيقية فيما بعد
إننا ونحن نرى حرص الداخلين في الإسلام بعد طول بحث ... وتفريط المسلمين بالوراثة في دينهم ... ندرك قيمة البحث
إن الآية العظيمة التي تنتقد من يرث الدين دون تفكير
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ
قد تكون لا تنتقد فقط غير المسلمين ... بل كل من يرث دينه دون أن يطرحه على عقله
يقول سيد قطب في تفسيرها في الظلال:
وهي قولة تدعو إلى السخرية، فوق أنها متهافتة لا تستند إلى قوة. إنها مجرد المحاكاة ومحض التقليد، بلا تدبر ولا تفكر ولا حجة ولا دليل. وهي صورة مزرية تشبه صورة القطيع يمضي حيث هو منساق؛ ولا يسأل: إلى أين نمضي؟ ولا يعرف معالم الطريق!
والإسلام رسالة التحرر الفكري والانطلاق الشعوري لا تقر هذا التقليد المزري، ولا تقر محاكاة الآباء والأجداد اعتزازاً بالإثم والهوى. فلا بد من سند، ولا بد من حجة، ولا بد من تدبر وتفكير، ثم اختيار مبني على الإدراك واليقين.

فعلا صدق كاتب المقال فالحياه والواقع شىء ودنيا الشبكه العنكبوتيه عالم اخر لا ينبغى ان تدخله الا وانت ملم بجوانب دينك مقتنع بأيمانك والا سوف تتخبط ونسأل الله ان يعيننا فبلا عون الله من الممكن ان نخسر اخرتنا اللهم ثبتنا على نعمة طاعتك
ReplyDelete