عجبت للسخرية والاستهزاء ودعوات الإفشال لحملة الرئيس محمد مرسى لتنظيف شوارع مصر ومدنها وقراها ضمن تعهدات المائة يوم الأولى للرئاسة، لاسيما وأن المشروع حظى باهتمام كل مصرى وطنى شريف على اعتبار أنه مشروع الشعب وليس مشروع محمد مرسى أو حزب الحرية والعدالة.

لقد كان الشعب المصرى على مدار تاريخه من أنظف شعوب الأرض، وقد حصلت القاهرة على لقب أجمل عواصم العالم قبل أن يحكمها العسكر عام 1952، وبقيت شوارعها تنظف بالماء والصابون إلى منتصف الستينيات ثم تغير كل شىء. ولم تكن العاصمة وحدها التى ملأت شوارعها أكوام الزبالة والعشوائيات بل كل مدن مصر وقراها، أذكر أننى حينما كنت طفلا صغيرا كانت الشوارع فى قريتنا تنظف كل صباح وترش بالمياه عبر سيارات البلدية التى يجرها الخيل عصر كل يوم، بينما كان مقر المجلس البلدى من أميز وأجمل المبانى فى القرية، حيث كانت الأزهار والأشجار تزينه على مدار العام، لكنه الآن مثل كل المبانى الحكومية والرسمية فى مصر أصبح مزبلة. لقد نجح المخلوع الفاسد بتحويل مصر كلها إلى مزبلة كبرى وملأ مجالس الأحياء والمدن والمحافظات برجال ربما الزبالون أشرف منهم، لم يكن هم أى منهم سوى أن ينهب ويسلب ما استطاع إلا من رحم ربك، وتحول الشعب المصرى من شعب يهتم بالنظافة فى كل مكان إلى شعب لا يبالى بالنظافة حتى فى العمارات الفخمة التى تملأ أحياء القاهرة، تجد شقق السكان نظيفة بينما باقى العمارة مزبلة، فرغم أننا تعلمنا صغارا أن النظافة من الإيمان فإن النظافة فى عهد مبارك كانت من المحظورات، حتى أمرضت الزبالة الناس بالأمراض الفتاكة. لكن هذه لم تكن طبيعة هذا الشعب الذى ظهرت نظافته الحقيقية فى الثورة حينما ضرب المثل وهز الدنيا بعدما قام الشباب بتنظيف الميادين والشوارع بعد الثورة، لكن للأسف لم يدم هذا الأمر طويلا لأن الزبالين الذين يحكمون تغلبوا على هذه الفطرة الموجودة لدى هذا الشعب، وحينما انطلقت الدعوة لنظافة المدن قامت مخلفات مبارك من رؤساء الأحياء بثورة مضادة وحملات من السخرية والاستهزاء وحاولوا تقزيم المشروع من مشروع أمة نظافتها من إيمانها إلى مشروع حزب أو جماعة.

لقد استطاع بعض المصريين أن يقوموا بمشروعات صغيرة للنظافة والنظام والحياة الكريمة فى بعض القرى بالجهود الذاتية وبالمسئولية المشتركة، أثبتوا خلالها أنه لو توفرت الإرادة والعزيمة فإن كل شىء يتحول للأحسن خلال أوقات محدودة ودون تكلفة مالية أو جهد كبير، فنموذج قرية «كفر غطاطى» القريبة من ميدان الرماية فى الجيزة، بهدف تنمية القرية فى كافة المجالات على يد أبنائها من الطلاب والجمعيات الأهلية، مشروع رائد، وقد بدأ اليوم الأول بتنظيف شوارع القرية، ثم بدأت حملات التوعية على البيوت والأطفال وزيارة كبار السن ودهان حوائط البيوت ودورى كرة قدم وأنشطة كثيرة غيرت وجه الحياة فى القرية، وهو نموذج من السهل أن يتم تطبيقه فى كل قرى مصر وأحيائها. أمر مشابه حدث فى قرية «أم خنان»، فلا شعارات للأحزاب أو الجماعات وإنما جهد أبناء القرية جميعا، كذلك الأمر فى قرية «ميت حواى» مركز السنطة محافظة الغربية، حيث تم استغلال طاقات الشباب والإمكانات البسيطة المتاحة، لإقامة قرية نموذجية بفكر أبنائها، والنماذج كثيرة لا نهاية لها، ونماذج هذه القرى تعنى أن يتم تقسيم المدن إلى مربعات وأحياء صغيرة تتنافس فيما بينها لتعود مصر زينة الدنيا وجنتها. لكن هذا لن يتم قبل أن يقوم الرئيس مرسى بتنظيف مصر من مخلفات مبارك سواء من رؤساء الأحياء أو المحافظين الذين سخروا من مشروع نظافة شوارع مصر، ووقفوا ضده وسعوا لإفشاله، وكان لهم الدور البارز فى ترسيخ ثقافة الزبالة والأوساخ فى حياة المصريين. إن المناصب لا سيما الخدمية يجب أن تكون لذوى الكفاءات وأن ينتهى عصر المكافآت، وإن البداية الحقيقية لنظافة مصر هو تطهير الأحياء والمدن والمحافظات من هؤلاء الفلول، حينئذ نقول إن الخطوة الأولى لنظافة مصر قد بدأت.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -