كنت قبل الثورة، وفى أبحاث متعددة، أميّز داخل قيادة جماعة الإخوان المسلمين بين الحرس الحديدى؛ الممثل بقوة داخل مكتب الإرشاد والراغب فى الوصول إلى السلطة عبر صندوق الانتخابات للسيطرة على الدولة والمجتمع والمتحفظ على الكثير من قيم الديمقراطية كقبول التعددية والحوار مع الآخر، وبين السياسيين الباحثين عن شراكة مع القوى الوطنية كلها والمؤمنين بالتعددية وضرورة بناء توافق متجاوز لحدود الجماعة. ثم خلال الفترة الماضية الممتدة من إسقاط الثورة للرئيس السابق وإلى ما بعد انتخاب الدكتور مرسى رئيساً للجمهورية مروراً بانتخابات البرلمان وتشكيل الجمعية التأسيسية، حاولت كممارس للسياسة أن أرصد التحولات داخل الجماعة وذراعها الحزبية وحدود أدوار الحرس الحديدى والسياسيين، ووصلت لقناعة مؤداها أن وزن الحرس الحديدى حول نائب المرشد العام وأعضاء آخرين بالإرشاد حين اتخاذ القرارات المفصلية أهم وأعمق من تأثير السياسيين.

الانتخابات قبل الدستور، التحالف انتخابياً وبرلمانياً مع أحزاب الإسلام السياسى الأخرى، تشكيل الجمعية التأسيسية بهيمنة واضحة للإسلاميين، المنافسة فى الانتخابات الرئاسية بعد سابق إطلاق وعود بعدم المنافسة وباعتماد مبدأ المشاركة لا المغالبة مع القوى الوطنية؛ بكل هذه القرارات كان دور الحرس الحديدى واختياراته هى الحاسمة.

الآن، كباحث وبعد «حوار» أمس الأول التليفزيونى مع الدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد، أشكره على تثبيته قناعتى بشأن سطوة الحرس الحديدى على الجماعة وحزبها. قدّم حديث الدكتور غزلان نموذجاً حياً لممارسة الاستعلاء على رؤى وطنية وهواجس مشروعة بشأن جمعية تأسيسية غير متوازنة ويغيب عنها الحوار المجتمعى بصيغة قريبة للغاية من «خليهم يتسلوا». تمارسون الجدل للجدل وبلا فائدة، هكذا تحدّث موجهاً كلماته للأستاذ جورج إسحاق ولى. قدم دليلاً على صعوبات الحرس الحديدى فى الحوار واحترام تعددية المواقف والآراء دون اتهامات ودون عجرفة لغوية وأيضاً فى المضمون. «لم أكن راغباً فى حديث بلا فائدة مع هؤلاء»، هكذا أيضاً تحدث. قدم نموذجاً للدفاع عن رؤية رجعية بشأن حقوق المرأة وحرياتها فى مصر مدافعاً عن التنصل من مواثيق دولية وقعت عليها مصر. ثم برر هذا بإخافة الناس من أن هذه المواثيق تتناقض مع الشريعة الإسلامية وأن من يدافعون عنها يخالفون الشريعة، علماً بأن مصر تحفظت على كل ما قد يخالف الشريعة بمواثيق حقوق الإنسان الدولية إلا أنها لم تتحفظ على منع الاتجار بالنساء لأنه يمنع تزويج القاصرات كما يطالب على الأقل أحد أعضاء التأسيسية. وبالطبع ألحق بهذا اتهاماً لى، بصيغة «أحد الحضور» ودون الإشارة لاسمى، بأننى أدعو لمخالفة الشريعة باستدعاء موضوع أوضحته مئات المرات حول الزواج المدنى. وختم أدلة الاستعلاء ورفض الحوار والتعددية بدفاع عن ديمقراطية يفهمها فقط كصندوق انتخابات، وقام بلىّ ذراع الحقيقة فيما خص دعوتى بعد الجولة الرئاسية لانسحاب الدكتور مرسى وتمكين حمدين صباحى من منافسة مرشح النظام القديم بأن حولها لدعوة لانسحاب مرسى من أمام شفيق. اختزل الدكتور غزلان الديمقراطية إلى صندوق انتخاب وهمش شروط نزاهة الصندوق ومن بينها الفصل بين الدينى والسياسى وكف جماعته عن استغلال الدين فى السياسة، ثم أنهى الحوار منفرداً (بإنهاء الاتصال الهاتفى، وإن كان قد تفضل وذكر اسمى فى النهاية). أشكر الدكتور غزلان على النموذج الحى لسطوة الحرس الحديدى وجمود فكره وصعوباته مع الممارسة الديمقراطية وقيمها. وأقول له إن حال مصر لن ينصلح إلا بالفصل بين جماعته الدعوية وحزبها، وبالتوقف عن خلط الدينى بالسياسى وابتعاده هو وبقية الحرس الحديدى عن حزب الحرية والعدالة كى يتحول إلى حزب يفهم الديمقراطية ويمارسها.

أقول له إن صندوق الانتخابات النزيه يقتضى هذا وإن الشراكة فى الوطن تقتضى قبول التعددية والامتناع عن الاستعلاء وبناء التوافق الفعلى وليس الادعاء بوجوده. أقول له إن الحرس الحديدى الذى ينتمى له يريد السيطرة على الدولة والمجتمع ومستعد فى سبيل هذا للتحالف مع البيروقراطية الفاسدة وتطعيمها ببعض العناصر الإخوانية. أقول له إن عليه أن يترك السياسة لأصحابها، فى سياقه، لأعضاء حزب الحرية والعدالة، وأن يتفرغ هو للعمل المجتمعى والدعوى فى سياق جماعته التى ينبغى أن تقنن أوضاعها مع قانون جديد للجمعيات الأهلية يضمن الحرية.

وأقول له إن كيل الاتهامات ولىّ ذراع الحقيقة وإخافة الناس عبر بوابة خطر مخالفة الشريعة والانتقاص من الحرية بخطاب رجعى (نصف سيدات مصر من العانسات، هكذا تحدث.

فهل يبرر هذا تزويج القاصرات وعدم مكافحة الاتجار بالنساء) لن يذهب به بعيداً فى مصر التى ستظل دوماً متنوعة وساعية لمجتمع عصرى ودولة حديثة. أقول له وأقول له، وأدرك كباحث أن أياً من هذا لن يحدث إلا إن تمكنت القوى الأخرى من منافسة الإخوان بقوة فى التنظيم والانتخابات.

كمواطن، أشعر بهمٍّ شديد من جرّاء دور حرس الإخوان الحديدى بالسياسة وخطابهم بشأنها. دون تحجيم الحرس هذا، سنتعثر طويلاً فى مسار التحول وبناء الديمقراطية والمجتمع التعددى.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -