لم يفتح الدكتور محمد مرسى رئيس مصر طهران فوق صهوة جواد أغبر، ولم يعد من هناك بألف من النوق العصافير.. كل ما فعله الرئيس مرسى ببساطة شديدة إنه قال ما يجب أن يقال فى الزمان والمكان المناسبين، فاستحق الاحترام والإشادة، حتى من المختلفين معه، إلا من اختصهم الله بكميات لا نهائية من القذى والخشب فى أعينهم، تجعلهم يرون كل شىء مسودا، وكل خطوة فى الطريق الخطأ دائما.
وكل ما فى المسألة أن كلمات الرئيس المصرى فى إيران جاءت مغموسة فى مداد مشاعر شعبية وموقف إنسانى ووطنى جديد تفرضه قوة الرأى العام بعد ثورة ٢٥ يناير ولم يعد فى مقدور رئيس أو مسئول أن يتجاهله.
والقصد أن محددات السياسة الخارجية المصرية لم تعد كما كانت فى العصور الماضية، حيث كان القرار السياسى المتعلق بالخارج ينسكب من أعلى هرم السلطة الحاكمة على رؤوس البلاد والعباد، دون حسيب أو رقيب.. أما الآن فقد أوجدت ثورات الربيع العربى مساحات محترمة للرأى العام لكى يمارس دورا فى صياغة سياسة بلاده الخارجية.. وعليه فقد جاءت كلمات مرسى عن ثورة الشعب السورى الشقيق، وذهابه بموقف الدبلوماسية المصرية من نظام الأسد إلى منطقة نزع الشرعية عنه، تعبيرا عن موقف شعبى مصرى متعاطف مع نضال الأشقاء فى سوريا لانتزاع حريتهم وكرامتهم وحقهم فى الالتحاق بعصر جديد يودعون معه القهر والقمع.
والحاصل أن الدكتور مرسى اصطاد عدة عصافير بحجر واحد فى رحلته إلى قمة عدم الانحياز فى إيران، فقد زار رئيس مصر طهران بعد ثلاثين عاما من التجمد فى العلاقات الرسمية بين البلدين، لكنه من زاوية أخرى لم يذهب إلى طهران بل ذهب إلى استحقاق دولى متمثل فى افتتاح دورة جديدة لممجموعة دول عدم الانحياز، غير أنه فى المحصلة أظهر صلابة مصرية، مستقويا بشعور شعبى جارف، فى وجه الابتزاز الصهيونى والتبرم الأمريكى من هذه الخطوة، ناهيك عن تململ بعد أنظمة عرب الخليج من الزيارة.
ويمكن القول إن قوة الأداء الدبلوماسى المصرى ممثلا فى قمة مستوياته فى زيارة طهران الخاطفة هو انعكاس لقوة الضغط الشعبى المصرى بعد الثورة، والتى وإن كانت قد اندلعت استجابة لحاجات داخلية تماما، كالحرية وحقوق الإنسان والعدالة والمواطنة الكاملة، إلا أنها من ناحية أخرى كانت ثورة ضد التبعية البائسة والتقزم الفادح فى مكانة مصر الإقليمية والدولية.
ولا ينسى أحد تلك الانتفاضة الشعبية الباسلة التى حاصرت سفارة العدو الإسرائيلى وأسقطت علمها، دفاعا عن دماء شهداء العسكرية المصرية التى أريقت على أرض سيناء بعد ستة أشهر فقط من خلع مبارك، فى واحدة من تجليات الروح الثورية الجديدة على قضايا مصر الخارجية، هذه الروح التى ارتقت بأداء الرئيس مرسى فى قمة عدم الانحياز إلى حدود أجبرت أعتى خصومه على التصفيق له.
ولأن الشىء بالشىء يذكر، فليس أقل من أن يلتفت الدكتور مرسى إلى قضية المحكوم عليهم بالسجن فى أحداث السفارة الإسرائيلية، ولا يصدق على هذه الأحكام، ويصدر قرارا بالإفراج الفورى عنهم، باعتبارهم من شباب الثورة الذين راحوا ضحايا محاكمات عبثية تحت حكم العسكر والذين وعد الدكتور مرسى فى بدايات حكمه بالإفراج عنهم.
لقد كان الرد على المطالبين بالإفراج الفورى عن معتقلى الثورة أن معظمهم مازالوا محبوسين على ذمة قضايا منظورة، ولا يجوز العفو عنهم إلا بعد صدور أحكام، وهاهى الأحكام قد صدرت، ومن ثم حانت لحظة الوفاء بالعهود والعفو عن الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن فى أحداث سفارة العدو.
0 التعليقات:
Post a Comment