الرئيس يقوم بمهام الرقيب على أعمال السلطة التنفيذية بحكم أنه يجمع بين صلاحيات التشريع (مؤقتاً) وصلاحيات رئيس الجمهورية. وفى هذه الفترات الاستثنائية، نتوقع قرارات استثنائية. الرئيس مطالب بأن يضع المرآة فى مواجهة المجتمع: مطالب بأن يضعنا أمام حقائق الأوضاع وأن يضع مسئوليات محددة على كل طرف، وألا يكون قد فقد القدرة على القيادة.
مثلاً، هناك المشكلة المتكررة المرتبطة بحقوق المدرسين الذين يدخلون اعتصاماً جديداً بمطالب محددة ومن ضمنها حد أدنى للدخل يصل إلى حوالى 3000 جنيه شهرياً. مسئولية الرئيس فى هذه الحالة هو أن يطلب من السيد وزير التعليم وفريق من المتخصصين أن يحددوا حجم ما ينفق على التعليم فى مصر سواء بشكل رسمى أو بشكل غير رسمى (دروس خصوصية). لا أريد أن أخوض فى الأرقام التى تحت يدى لأنها تثير الاضطراب بسبب التفاوتات فى التقديرات أكثر من كفايتها لتقديم تصور متكامل. ولكن المهم أن يكون الجهد الأكبر هو كيفية تحويل ما هو غير رسمى إلى رسمى، ما هو غير قانونى إلى قانونى.
وهو ما يرتبط كذلك بمصارحة المجتمع بشأن «مجانية التعليم؛» هل هو مجانى؟ وهل هو تعليم؟ وهل هو مرتبط بسوق العمل؟ هل هذا العدد ممن يلتحقون بالجامعات مجاناً يضيفون للمجتمع فى مجال دراستهم ما يجعلهم مفيدين للمجتمع بصفة عامة؟
هناك دراسات متخصصة عديدة بشأن التعليم فى الدول النامية، والنماذج الناجحة التى قرأها الإنسان كلها أفضل مما يحدث فى مصر الآن. نحن فى حالة خداع للذات على نحو غير مسبوق: نرفع شعارات نطمئن لوجودها مثل «مجانية التعليم» ونغض الطرف عن مشاكل كثيرة مرتبطة بالشعار المرفوع دون أن نسعى إلى التعمق إلى جوهر القضية.
كوريا الجنوبية تحديداً لها تجربة جيدة فى التحول عن نظام تعليمى شبيه بما نحن عليه إلى نظام تعليمى حقق ثلاثة أهداف: أولاً ترشيد المجانية المزعومة وقصرها على المجالات التى الدولة بحاجة فيها لعمالة ولموظفين وفقاً لخطتها الاقتصادية والاجتماعية.
ثانياً، التعليم الموجه نحو المهارات وليس حفظ واسترجاع المعلومات.
ثالثاً، التعليم الجامعى ليس مجانياً إلا للمتفوقين أو لمن يلتحقون بمجالات معينة.
هذه الأفكار وغيرها لا بد أن تدرس من متخصصين، وأن تخرج القيادة السياسية لتعلنها على المواطنين باعتبارها السياسة العامة للدولة التى ستطبق بعد فترة زمنية معقولة حتى لا يؤخذ الناس على حين غرة، وأن يصاحب القرارات حملة إعلامية للتعريف بأهميتها مع ترك مساحة كافية لأصحاب الآراء المخالفة للتعبير عن آرائهم.
أما ظاهرة الدروس الخصوصية فهى ليست غريبة عن مجتمع يفرض على طلابه أن يناقشوا أدق تفاصيل جغرافية الأمريكتين وأستراليا أو أن يحفظوا أدق تفاصيل التفاعلات الكيميائية لطلاب المراحل الابتدائية والإعدادية على نحو يؤكد أن بعض القائمين على التعليم فى مصر ليسوا على قدر استيعاب متطلبات التعليم فى عصر أصبحت المعلومة متوفرة على أى جهاز تليفون أو كمبيوتر، وإنما الأهم هو كيفية التحقق من صحتها والاستفادة من توظيفها. وبما أن الطالب مطالب بهذا الكم من الحفظ، فلا بديل عن «الدرس الخصوصى» الذى يعرف كيف يلخص المنهج فى وريقات معدودة و«ينشن» على ما سيأتى فى الامتحان وكأننا فى لعبة قمار.
لو كان الأمر بيدى، لقمت بإلغاء حوالى ثلث مقررات الطلاب وأخلصها من الحشو الفاضى والتفاصيل غير المفيدة، وأركز على المهارات والقدرات التى يحتاجها الطلاب ومن ورائهم المجتمع.
مشكلة المدرسين ليست فقط فى قلة المرتبات، ولكنها جزء من أن مصر تدار بمنطق «دارى الجثة» أى تجاهل المشكلة، وهذا ليس منطق أمة تتقدم، وإنما أم تنتحر. وهذا ما لا نريده. يا سيادة الرئيس: ضع المرآة فى وجه المجتمع، ولنبدأ العمل.
0 التعليقات:
Post a Comment