تحليـل الواقــع
في المقال السابق أبحرنا مع المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي وهو يؤسس لرؤيته حول النهضة كما وصفها في منتصف القرن الماضي- ومقوماتها ومكوناتها الأساسية وعناصرها الأولية الثلاثة وهي الانسان والتراب والزمن.
وهذه المكونات نتناولها اليوم في هذه الزاوية بالمناقشة والحوار,ولكن قبل أن نشرع في ذلك أود أن أقف مع القارئ العزيز أمام نقطتين اثنتين أولاهما عن بعض المعاني اللغوية والإصطلاحية التي تفيد في تحليل المكونات الاساسية الثلاثة,والنقطة الأخري بحث إمكانية الإضافة إليها بما يعمق قراءتنا التحليلية لمكونات النهضة..
ويحدوني الأمل من قارئي أن يعيش معي هذه الرحلة التي أرجو أن تسهم في نهضة بلدي لنعمل سويا علي أن نصوغ إطارا يجمعنا وهدفا يوحدنا ويدفعنا لمستقبل أفضل, ولنكون معا- كما هو عهد المصريين دائما- صناعا لحضارة جديدة تعبر عن تاريخ هذا الشعب وعقله الجمعي ووعيه المتجذر في التاريخ.
النقطة الأولي عن المعني اللغوي للنهضة, ففي معجم لسان العرب( نهض ننهض نهضا وانتهض) أي قام واستوي, والنهضة الطاقة والقوة,وفي المعجم الوسيط( النهاض اي الدؤوب) الذي يعمل و يسلك سبيل التقدم.
ومن هذه اللمحة اللغوية نري أنه لابد من القوة والطاقة في كل مكونات النهضة حتي نستطيع أن نخترق الواقع بكل استبداده وفساده وبلادته.
هذه الطاقة والقوة والحركة لا بد أن تلازم المجتمع الذي قرر أن يصنع لنفسه واقعا أفضل, ويصنع لأولاده وأحفاده مستقبلا مشرقا, هذه الثلاثية تعيد تعريف قيمة العمل والإنتاج, وتعيد تعريف الأرض وإمكانياتها وكنوزها, كما تعيد تعريف الزمن ودوره الحقيقي والفاعل في عملية الإنتاج.
اما النقطة الثانية, فهي إضافة مكونات جديدة لعناصر مالك بن نبي الثلاثة, فأهم ما يمكن أن نضيفه- من وجهة نظري- ووفقا للعلوم الإدارية الحديثة عنصرين, الاول هو القدرة علي رؤية الواقع أو بالأحري تحليل الواقع الذي ينطلق منه المجتمع تجاه الأرض والزمن وصولا إلي العنصر الثاني وهو هذا المستقبل المأمول والحلم المشهود, وبالتالي تصبح مكونات وأساسيات المشروع النهضوي خمسة عناصر هي: الواقع والإنسان والأرض والزمن والحلم
ولو بدأنا بالواقع والقدرة علي قراءته وتحليله بشكل علمي و إيجابي لتمكنا من إدراك حجم التحديات والمسافة التي يجب أن نقطعها وطاقة الفعل الذي يلزم لتخطي تلك التحديات, وقديما قال الصالحون رحم الله رجلا عرف زمانه فاستقامت طريقته.
وعلي أرض الواقع, وعلي سبيل المثال, فإن مصر في الجانب الاقتصادي ومنذ بداية العام الماضي تشهد ضغوطا متزايدة علي الموازنة العامة للدولة واتساعا في الفجوة التمويلية مما انعكس بدوره علي تزايد حجم الدين العام وارتفاع تكلفة خدمته, وصاحب ذلك انخفاض في السيولة المحلية المتاحة لتمويل المشروعات والخدمات مما أدي إلي انحسار ما يطلق عليه الحيز المالي وأسفر ذلك في عام2011-2012 عن موقف حرج في المؤشرات المبدئية للحساب الختامي للموازنة مما نتج عنه عجز كلي وصل إلي نحو168 مليار جنيه بما يمثل10.9% من الناتج المحلي الإجمالي للعام الماضي.
وفي المقابل فإن تحليل هذه الأرقام- وهو أمر في غاية الأهمية لمعرفة نقطة الانطلاق التي نبدأ منها بناء نهضة حقيقية لمصرنا الجديدة بعد الثورة- يضعنا أمام حقيقة ضعف الموارد المالية للدولة المصرية رغم اتساع مواردها الطبيعية والبشرية..
وبنظرة سريعة علي أرقام الموازنة العامة للدولة المصرية2012-2013 وفق وزارة المالية, فإن جملة الإيرادات المالية لا تتجاوز393 مليار جنيه مصري, في المقابل فإن المصروفات المقدرة تصل إلي533 مليار جنيه تمثل رواتب العاملين بالجهاز الإداري للدولة136 مليار جنيه بنسبة25% وما يصرف علي الدعم والمعاشات يصل إلي146 مليار جنيه بنسبة27% وما يصرف علي خدمة الدين العام الداخلي والخارجي المتراكم عبر سنوات طويلة يزيد علي130 مليار جنيه بنسبة25%.
وبالتالي يمكننا القول إنه في يونيو2012 تكون الموارد المالية للدولة المصرية لا تغطي سوي نحو74% من مصروفاتها وهذا بشكل تقديري يفترض القدرة علي تحقيق هذه الإيرادات.
إن قراءة متأنية لهذه الأرقام وحجم الفجوة في الموارد المالية يعطي لكل محلل ولكل وطني ولكل عاشق لنهضة بلده عدة استنتاجات هي:
انه وبرغم هذه الفجوات والتحديات, فإن المصري الذي علم البشرية فن صناعة الحضارة قادر علي تجاوزها لأنه قادر علي تحسين كفاءة إدارة موارد الدولة لتحقيق عوائد أكبر.
لا بد لكل أبناء الوطن من العمل الجاد والجهد المتواصل والتضحية في كل قطاعات الاقتصاد المصري من أجل واقع أفضل ومستقبل أكثر إشراقا لبلدنا وأولادنا.
تشجيع وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية لمصر خاصة بعد انحسار هذه الاستثمارات منذ فترة طويلة.
لابد( من)ترتيب أولويات العمل الوطني من أجل دعم البنية التحتية للاقتصاد المصري وتوفير كل الدعم والجهد لانطلاقة اقتصادية فاعلة.
دعم الفئات الأكثر احتياجا في المجتمع المصري خلال هذه الفترة الحرجة من أجل تقليل حجم المعاناة التي تعانيها شرائح كبيرة من المجتمع المصري.
تمكين المجتمع المدني وفتح الطريق لمؤسساته للمساهمة بشكل فاعل في النشاط التنموي والتعليمي والتدريبي لدعم المجتمع المصري في هذه المرحلة.
إن تحليل الواقع في كل أبعاده ومن مختلف عناصره جزء رئيسي من أساسيات أي عمل نهضوي, وهو مهم أيضا لكي يساعد في صياغة إنسان النهضة وأولوياته ومعرفة جوانب القصور في منظومة القيم الحاكمة للمجتمع الذي قرر بثورته أن ينهض وأن يعود مرة أخري صانعا للحضارة..
ولمكونات النهضة بقية..لكن الاسبوع القادم باذن الله.
0 التعليقات:
Post a Comment