تأتى أهمية هذا الكتاب من أنه يقدم رصدا تاريخيا دقيقا لتلك الثغرة التى أحدثها الفلول فى جدار الثورة فى غفلة من أصحابها، وما أعقبها من تمدد حتى صارت الثغرة شرخا يمتد طولا وعرضا.
الكتاب عنوانه «كتاب الفلول» للزميل الشاب مصطفى شحاتة وصدر مؤخرا عن دار المصرى للنشر والتوزيع.
إن سطور هذا الكتاب كما قلت فى مقدمته ليست بكاء على أطلال بقدر ما هى صرخة لإنقاذ ما تبقى من ثورة تعرضت للنهش ولاتزال.
ولأن هذه الثورة كانت أكثر بياضا مما يجب، استطاعت الثورة المضادة أن تنصب منصات صواريخها مبكرا جدا حيث اطمأن الجميع لانسحابها إلى داخل أسوار الماضى، بينما كانت تعيد انتشارها داخل حدود الحاضر، وتخطط لالتهام مساحات من المستقبل.
ولأنها ثورة مفرطة فى الوداعة والطيبة ـ إلى درجة السذاجة أحيانا ـ فقد ارتمت فى أحضان من ادعى توفير الحماية لها، وتلك كانت الخطيئة الكبرى، أو «ثغرة يناير» التى لا تقل خطورة وكارثية عن ثغرة أكتوبر 73 التى بددت نصرا مؤكدا كان فى قبضة يدنا ثم تبخر.
وفى يوم 17 فبراير 2011 كتبت مقالا فى «الشروق» أنبه وأحذر من إعادة انتشار «الفلول» جاء فيه «المتحولون المتلونون اللاعبون على كل الحبال يرفعون الآن شعارات تدعو للتسامح وأن يلعب الجميع فى الحديقة وكأن شيئا لم يكن، وكأن أحدا لم يسخر من دم الشهداء، ويقف فوق جثثهم هاتفا للنظام الساقط».
إنهم يمارسون الابتزاز والابتذال حين يقولون لا لمحاكم التفتيش، وكأن أحدا يعلق لهم المشانق فى الشوارع وميادين الثورة.
إنهم يمارسون اللعبة الوضيعة ذاتها بأكروبات استباقية ويصورون أنفسهم على أنهم ضحايا نزعة انتقامية ومزاج تصفوى أعقب نجاح الثورة، وهذه قمة الشطارة والفهلوة وأفخر أنواع النصب والتدليس الإعلامى، بحيث يفلتون من المحاسبة على جرائمهم فى حق الثوار والشهداء.
لا أحد ينصب محاكم التفتيش، أو يعلق المشانق، كل المطلوب أن يكون هناك حساب، على الأقل أدبيا، لكل الذين تطاولوا على ثورة الشعب، وتخرصوا على شبابها، واتهموهم بالعمالة والتكسب من النضال».
وأذكر أن تلك السطور كانت استجابة لرسالة من أحد مصابى الثورة يقول فيها «استحلفكم بالله بدم الشهداء التى أريقت غالية زكية ألا تتركوا هؤلاء المتحولين لأنهم أخطر على ثورتنا من الشيطان نفسه فهم بالفعل حاشية فاسدة تستطيع أن تفسد أى نظام مهما كان.. أنتم.. أنتم وحدكم ومن خلال كتاباتكم ومن خلال ظهوركم فى وسائل الإعلام تستطيعون تحجيم هؤلاء وإجبارهم على أن يجلسوا فى الأماكن الوحيدة الصالحة لهم وهى (....)
استحلفكم بالله ألا تتركوهم وهى كما قلت لكم ليست تصفية حساب بقدر الخوف من أن تختطف الثورة من هؤلاء......
من أدرانا أنهم لن يتحولوا ويركبوا موجة الثورة كما بدأوا الآن ثم تزين لهم شياطينهم تملق من سيحكم من الجيش لفترة انتقالية ومن سيأتى من بعدهم ليزين لهم أنهم من أنقذوا البلد من الضياع وأن البلد ستغرق لو تركوها وأساليب حقيرة ملتوية عانينا منها لسنوات وسنوات وكنت أنت لها بالمرصاد.. آن الأوان أن نتخلص من كل هؤلاء بأن يجبروا على الجلوس فى بيوتهم ليكتبوا مذكراتهم التى إن كتبوها بصدق لجنوا منها الملايين لأننا فى تلك الحالة سنعرف فضائحهم جميعا».
لقد تحققت نبوءة هذا الشاب، وبسرعة شديدة تحول الفلول من الدفاع إلى الهجوم، فانقضوا على الثورة مشمولين برعاية خفية أحيانا، ظاهرة غالبا، ممن أخذوا الثورة فى أحضانهم، ليسمحوا للثورة المضادة بالمرور والعبور.
0 التعليقات:
Post a Comment