فى لحظة من لحظات الخيال، وربما أحلام اليقظة، وجدتنى أجلس فى مكان وأمامى منصة عالية يقف عليها شخص لم أتبين ملامحه يقرأ كلاما يبدو معه وكأنه مقدمة دستور مصر الجديد. سمعته يقول:
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها
فى كل بقعة من أراضيها، فى صعيدها وسينائها، فى دلتاها وواديها، فى واحاتها وصحاريها، فى مدنها وقراها، داخل مصر وخارجها، فى الحقول والمصانع، فى مواطن العلم وأماكن العمل، وفى مواقع الدفاع عن الوطن، فى كل موقع يقف فيه المصرى مدافعاً عن الكرامة والعدالة وحقوق الإنسان، فى مصر الشامخة منذ فجر التاريخ وهى تؤمن برسالات ربها ورسله وتُشع الحضارة وتُلهم الثقافة وترعى الإبداع، أمان فى القرآن وبركة فى الإنجيل، القلب من أمتها العربية والرائدة فى عالمها الإسلامى، الواعية بانتمائها الأفريقى، المتفاعلة مع حضارات العالم وثقافاته.
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها الذى بدأ فى ثورة 25 يناير 2011 مهمة تحرير المواطن والوطن وأعلن الحرية والكرامة تحت شعار: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».
باسم الله وتوفيقه نتعهد بالقيم التالية ونتعاهد على تحقيق الأهداف المرتبطة بها.
أولاً: الحرية والمساواة
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نؤكد تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن دون تمييز فى تمتعنا بحقوقنا غير القابلة للانتقاص وأن نقوم بالتزاماتنا طبقاً لهذا الدستور والقوانين الحاكمة لمجتمعنا وأن ندافع عن حريتنا بكل معانيها، نرفض استبداد الفرد بالمجموع، ونرفض استبداد الأقلية بالأغلبية، ونرفض استبداد الأغلبية بالأقلية.
ثانياً: الكرامة والعدالة الاجتماعية
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نؤكد تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن، وأن نذود عن كرامته، وأن نُحيى قيم العدالة ونؤكد حقوق الإنسان المصرى الاقتصادية والاجتماعية والتمكين له من خلال حقه فى الغذاء، والسكن، والعلاج، والتعليم، والعمل، والأجر العادل، والتأمين الاجتماعى، والبيئة النظيفة دون تمييز على أساس من الأصل أو الجنس أو الدين أو العقيدة أو المكانة الاقتصادية والاجتماعية أو التباينات الفكرية أو السلامة البدنية.
ثالثاً: حرية العقيدة والتعبير
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نؤكد تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن على أساس من حرية العقيدة وحرية ممارسة شعائر الأديان السماوية دون قيد أو شرط، وأن لكل مصرى الحق فى حرية الرأى والتعبير وفى التجمع السلمى وفى الإقامة والتنقل، وذلك كله دون مساس بحقوق الغير.
رابعاً: المواطنة وسيادة القانون
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نؤكد وعينا بأهمية التنوع فى مجتمعنا ونحرص عليه وعلى صيانة حقوق الجميع فى إطاره، ونعلن تصميمنا على أن نحيا شركاء فى الوطن على أساس السعى إلى الوحدة القائمة على التنوع، الناضجة بالحوار، القائمة على وحدة المصير، وأن الدستور والقوانين الصادرة فى ظله سوف تضمن ضماناً قاطعاً عدم جواز القبض على أى مواطن أو احتجازه تعسفاً أو إلحاق أى ضرر مادى أو معنوى به بدون سند من القانون، وأن كل متهم يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً فى محاكمة علنية أمام قاضيه الطبيعى تؤمن له فيها جميع الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه. وأن الكرامة الإنسانية حق لكل مصرى، ولا يجوز بأى حال تعريض أى شخص للتعذيب أو المعاملة الحاطة بالكرامة.
خامسا: تنظيم مؤسسات الدولة
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نعلن قرارنا أن تكون دولتنا قائمة على التوازن بين السلطات، والتداول السلمى للسلطة من خلال انتخابات دورية تنافسية حرة نزيهة تحت إشراف قضائى كامل، وتعدد مراكز صنع القرار والرقابة المتبادلة بين السلطات، ولامركزية الإدارة، وحيادية ومهنية ونزاهة أجهزة الدولة، وحسن استخدام المال العام بكفاءة وفعالية لتحقيق أولويات نهضة المجتمع وتقدمه.
سادسا: الأمن والأمان
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نقدر الدور الوطنى الذى تلعبه القوات المسلحة فى حماية مصر من أعدائها والذود عن حدودها ووحدة وسلامة أراضيها وضمان أمنها القومى.
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، إذ نذكر للشرطة مواقفها الوطنية التاريخية التى أكسبتها مكانتها فى المجتمع نؤكد ضرورة التزامها بشعارها بأن تكون فى خدمة الشعب وأن تقوم على حماية المواطنين فى أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وتؤدى جميع واجباتها فى إطار من الالتزام بقيم ثورتنا المجيدة.
سابعا: التكامل والوحدة
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نعلن أننا جزء من الأمة العربية نسعى لتحقيق وحدتها الشاملة والنهوض بها والدفاع عنها واستعادة حقوقها المسلوبة؛ كما نؤكد انتماءنا لقارتنا الأفريقية ونسعى للتعاون مع شعوبها نحو تحقيق تقدم القارة وتعزيز المصالح المشتركة.
ثامنا: السلام لعالمنا
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نعلن تصميمنا على أن تضطلع مصر بدورها من أجل عالم يسوده السلام الشامل القائم على العدل واحترام مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة والعيش المشترك الذى يضمن حرية وكرامة وحقوق كل شعوب الأرض دون استثناء وبما يحقق مصالحنا المشروعة ويحافظ على حقوقنا كاملة.
تاسعا: النهضة
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نؤكد التزامنا بتحقيق نهضة وطنية شاملة مستدامة فى جميع المجالات قائمة على العلم والعمل واحترام الكفاءة والخبرة تعيد لمصر ريادتها وتنير آفاق المستقبل لأجيالها القادمة، قوامها أن يتقدم الأفضل فى مختلف مجالات العمل بغض النظر عن الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو المكانة الاقتصادية والاجتماعية.
عاشرا: عيش، حرية، عدالة اجتماعية
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، نعلن أن ثورتنا هى ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. هى ثورة العِيش والعَيش، ثورة مقومات الحياة الفردية ومقومات الحياة الجماعية. وهى ثورة الحرية فى الاختيار والحرية من القيود. الحرية فى أن نتخذ قراراتنا موقنين أننا أصحاب الوطن نعيش فيه بكرامة ونعمل له بإخلاص.
وهى ثورة من أجل العدالة الاجتماعية حتى لا يفرض مستبد رؤيته، ولا يستغل متكبر سطوته.
نحن مواطنى مصر وجماهير شعبها، إيمانا منا وعرفانا بحق الله ورسالاته وبحق الوطن والأمة وبحق المبدأ وبمسئولياتنا الوطنية والقومية والدولية وباسم الله وبعون الله، نعلن فى هذا اليوم —— من شهر —— من عام 1433 هجريا، الموافق —— من شهر —— من عام 2012 الميلادى، أننا نقبل ونمنح لأنفسنا هذا الدستور، مؤكدين عزمنا على احترامه وحمايته والعمل به والدفاع عنه.
***
انتهى الرجل من كلامه، وبدت الفرحة على وجوه كثيرين، سعداء بما أنعم الله عليهم بأن استعادوا ملكية وطنهم وهم الآن يديرونه بروح من الرغبة فى العيش المشترك والأمل فى غد أفضل و... فجأة استيقظت من نومى لأجد من يقول لى: «لقد رفضت القوى المدنية الدستور الجديد، وتسير المسيرات وتقيم المظاهرات رفضا له»، قلت له أى قوى مدنية وأى دستور جديد. نحن لم نزل فى مرحلة كتابة الدستور؛ ومسودة الدستور الجديد مقدمة ليس للقبول والرفض وإنما للنقاش والتعديل، ومن هى القوى المدنية إذا كان عدد محترم من القيادات الليبرالية داخل الجمعية، وإذا كان ممثلو الأزهر والكنيسة وعدد من الأصدقاء المسيحيين يعملون كى يكون الدستور معبرا عن روح مصر الحقيقية؟
إذا كان الهدف من «الرفض» هو الضغط على الجمعية حتى لا تسىء لدستور مصر العظيم بأن تجعله طائفيا أو رجعيا أو استبداديا، فنعم الرفض والضغط هو. ولكن إذا كان الرفض من أجل شل الحياة السياسية المصرية والانتصار لقضايا حزبية تحت شعارات وطنية، فبئس الموقف السياسى ولن يستجيب لهم عقلاء الوطن الذين يعرفون كيفية التفريق بين ما هو حزبى وما هو وطنى.
لى ملاحظات على مسودة الدستور، ولكنها ملاحظات لتحسينه وليس لتدميره، وهذا ما كنت سأفعله سواء كنت عضوا فى الجمعية التأسيسية أم لا. وسأكتب فى ذلك وسأناقش الزملاء فيه. ولن أعطى صوتى لدستور لا يحترم حقوق الإنسان المصرى ولا يؤسس لدولة ديمقراطية مدنية تقوم على المواطنة وتحترم ثوابت الشريعة وتحترم استحقاقات الشرعية. ولن أسكت على باطل أو ثغرة يمكن أن ينفذ منها الفساد أو الاستبداد. اللهم هذا هو القصد، وهذا هو العزم، اللهم وفقنا جميعا لما ينفع البلاد والعباد. والله على ما أقول شهيد.
ملحوظة: نص مقدمة الدستور المشار إليه فى هذا المقال هو مقدمة الدستور المقترح من «بيت الحكمة للدراسات الاستراتيجية».
0 التعليقات:
Post a Comment