إنها الفهلوة ذاتها التى استخدمها البعض فى محاولة التدليس على الناس بأن انتخاب أحمد شفيق انتصار للدولة المدنية، تتكرر الآن مع هذه المناحة الكاذبة بمناسبة قرار تغيير النائب العام وتصوير الأمر على أنه انتهاك للقضاء ومساس بسيادته.
هى نفس الآلة الكذوب التى وضعت ذلك الكائن العكاشى عنوانا لحرية الإعلام والتعبير، وجرت الجماعة الصحفية كلها لخوض حرب مزيفة دفاعا عن قوالب إعلامية لا تمت بصلة إلى هذه المهنة النبيلة.
إن الاعتداء على حرية الصحافة لا يأتى من السلطة الحاكمة فقط للأسف الشديد، بل تشاركها العدوان مجموعات من أهل المهنة تقيم الدنيا ولا تقعدها إذا اقترب أحد من مروجى الإعلام الكاذب وسريحة الصحافة المبتذلة، ليس انتفاضا من أجل شرف المهنة كما يزعمون، وإنما لإغاظة الجماعة الحاكمة، ما أفضى فى نهاية المطاف إلى ابتذال قضايانا الحقيقية من خلال الانخراط فى الدفاع عن «اللا صحافة» باستخدام شعارات ضخمة.
وخطورة ذلك أنه يهدم الجدران ويحرق المساحات الفاصلة بين الغث والثمين، وبين التافه والرصين، وبين المزيف والحقيقى، بما يصنع أبطالا من ورق هم لعداء هذه المهنة أقرب، ولإهانتها أوضح.
وفيما يخص قرار تغيير النائب العام تبدو هذه الأجواء الكربلائية أمرا مستغربا، ذلك أنه فى أسوأ الفروض لم يكن النائب العام قد وصل إلى هذا الموقع وفق تقاليد وقواعد قضائية محترمة، مثله مثل كل من صعد إلى مركز مؤثر فى ذلك العصر البائس، ومن ثم يدهشك هؤلاء المتباكون على إبعاده متحججين بأن طريقة تغييره تمس بهيبة القضاء.
ويعلم هؤلاء أن تغيير النائب العام كان أول مطالب الثورة المصرية منذ خلع مبارك، بل إن كثيرين من الذين يذرفون الدمع الهتون على تغييره الآن هم أنفسهم خرجوا فى مليونيات وباتوا فى اعتصامات تطالب بإبعاده.
ويعلم هؤلاء أيضا أنه لا توجد ثورة فى العالم تقف على أبواب الحكم المستبد وتستأذنه فى الدخول، ولو كانت الأمور قد جرت بهذه الطريقة وانتظر الثوار الحصول على ترخيص بالغضب وإذن بالهتاف لما تزحزحت أوضاع مصر عما قبل الخامس والعشرين من يناير ٢٠١١ قيد أنملة.
وعليه فإن تغيير النائب العام يعد بمثابة تحقيق لمطلب ثورى بامتياز، بصرف النظر عن الدوافع وفروق التوقيت.. ومن هنا فإن لجوء بعض فصائل المكايدة ــ المعارضة سابقا ــ لاستخدام الموقف فى الهجوم على الرئيس المنتخب وشتم جماعته يعبر عن حالة من الشيزوفرينيا السياسية التى تهبط بمستوى المعارضة إلى الدرجات الأسفل.
ويذكر الكل أن هتافات وشعارات «الشعب يريد تطهير القضاء» كانت ولا تزال مرفوعة فى الميادين منذ بزوغ شمس الثورة، وبمشاركة أعداد هائلة من أهل السلطة القضائية كانوا يشاركون الثوار افتراش أرضية الميدان وأرصفته. غير أن الأهواء والأغراض عندما تحكم وتتحكم فإنها تعمى القلوب والأبصار، وتبطل الحق وتحق الباطل، وكأن هؤلاء نسوا رطانتهم الفقيرة عن حق الشهيد وحرمة الدم المصرى، حتى وصل الأمر ببعضهم لجر قطار الجنرال الهارب فى سباق انتخابات الرئاسة، مما يجعلك لا تستبعد أن يفاجئك أحدهم بإقامة حفل تكريم لأبطال موقعة الجمل الفائزين بجوائز مهرجان البراءة للجميع.
0 التعليقات:
Post a Comment