قل ما شئت عن ارتباك مؤسسة الحكم فى مصر فى عديد من الملفات الداخلية.. وخذ راحتك فى الامتعاض والاعتراض على الحكومة الحالية، لكن الموضوعية تقتضى القول إن الأداء الدبلوماسى المصرى فى مواجهة الاعتداء الصهيونى على أشقائنا الفلسطينيين فى غزة يستحق الاحترام والتقدير.
ولعلك تتذكر أنه فى ظروف مماثلة كانت آلة الدمار الصهيونية تصب خستها ووضاعتها الإنسانية فوق رءوس أطفال ونساء وشيوخ غزة، بينما وزير خارجية الكنز الاستراتيجى يضع يده على كتف القاتلة بنت القتلة تسيبى ليفنى كى يحميها من السقوط على درج قصر الرئاسة المصرية.
ففى عملية الرصاص المسكوب التى نفذتها إسرائيل على غزة أواخر العام ٢٠٠٨ كان مبارك كنزها الاستراتيجى يوفر لها الغطاء باستقباله وزيرة خارجية العدو بابتسامته العريضة، ووزير خارجيته أبوالغيط لا يزال يجتر تصريحاته البائسة التى هدد فيها الفلسطينيين الفارين من الموت بتكسير أرجلهم إن هم فكروا فى الاحتماء برمل سيناء.
وتحتفظ الذاكرة بذلك المؤتمر الصحفى الدافئ بين ليفنى وأبوالغيط فى القاهرة والذى أعلنت خلاله بدء العمليات الصهيونية ضد الشعب الفلسطينى الأعزل، بينما كان إعلام مبارك يساوى بين القاتل والضحية، ويردد بمنتهى البلادة والبلاهة مقولات آلة الإعلام الإسرائيلية، عاكسا تلك الحالة المذرية للدبلوماسية المصرية التى كانت تنطلق من كون القاهرة وسيطا محايدا وليست طرفا فى الصراع.
أما فى هذه المرة فقد جاء الأداء الرسمى المصرى متناغما مع حالة ثورية بانت آثارها على السياسة الخارجية المصرية، إذ لم يكن مبارك يجرؤ على سحب سفيره من إسرائيل أو يوفد رئيس وزرائه لزيارة غزة تحت القصف، ولو لدقائق أو سويعات معدودة، ناهيك عن أن أحدا لم يلوث الأذن المصرية بثغاء أجوف عن ضرورة ضبط النفس والعودة لاستئناف العملية، فى فنادق عاصمته شرم الشيخ.
على أن التحركات الرسمية المصرية خلال اليومين الماضيين ليست منتهى آمال الشعب المصرى، فالمطلوب إعادة رسم السياسة الخارجية المصرية تجاه إسرائيل، كعدو محتل ومغتصب للأرض، وليست دولة جوار، وهذا يتطلب العديد من الإجراءات، أقلها كبداية أن تغلق مصر أبوابها فى وجه قطعان السياح الإسرائيليين، ثم العمل بجدية على تحرير سيناء من الإرهاب، ومن الفراغ، ومن العزلة عن بقية خارطة مصر.
أما تلك الأصوات النشاز التى تردد بلا وعى أكاذيب عن سيناريوهات توطين الفلسطينيين فى سيناء، فهذه فى حاجة إلى علاج نفسى، وتربية وطنية حقيقية.. والأمر ذاته مع الذين لا يخجلون من التعبير عن تغيير مشاعرهم تجاه القضية الفلسطينية، لمجرد أن إسلاميين يحكمون فى غزة وفى مصر.
إن الإرهاب الحقيقى هو ما تمارسه إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية، وإذا كان هناك من يسمى المقاومة الفلسطينية إرهابا فنحن مع الإرهاب كما صرخ نزار قبانى فى منتصف التسعينيات:
أنا مع الإرهاب
مادام هذا العالم الجديد
يريد ذبح أطفالى
ويرميهم للكلاب
من أجل هذا كله
أرفــــع صوتـى عاليا
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
أنا مع الإرهاب
0 التعليقات:
Post a Comment