مع اقتناعى الكامل بأن مصر تمر بحالة خطيرة للغاية من الاحتقان المجتمعى والاستقطاب السياسى وأن القابلية للعنف تتصاعد على نحو موجع وأن الحوار الجاد بين كافة أطراف الأزمة السياسية وسيلة رئيسية للبحث عن حلول ومخارج، أجد لزاماً علىّ رفض دعوة الحوار التى وجهها رئيس الجمهورية وأكد عليها نائبه، وذلك للأسباب التالية:
1- تجتاح المسيرات والتظاهرات ربوع مصر مطالبة بإسقاط إعلان 21 نوفمبر 2012 الاستبدادى وتأجيل الاستفتاء على مشروع الدستور غير التوافقى الذى أعدته تأسيسية الإخوان والسلفيين. وبعد غياب وصمت خرج رئيس الجمهورية على الرأى العام ليلة الخميس الماضى بدعوة للحوار دون إطار محدد ودون استجابة واضحة لمطلبى إسقاط الإعلان وتأجيل الاستفتاء مقروناً بإعداد دستور توافقى، بل إن مجرد الإفصاح عن استعداد الرئيس للتباحث بشأن الأمرين مع القوى الوطنية المختلفة لم يأتِ، واكتفى الدكتور مرسى بالحديث عن إعادة النظر فى المادة السادسة من إعلان الاستبداد (مادة الإجراءات الاستثنائية) وعن حوار وطنى حول تعيينات مجلس الشورى وقانون الانتخابات البرلمانية (الذى صادرت عليه تأسيسية الإخوان والسلفيين بنص فى مشروع الدستور بباب الأحكام الانتقالية).
2- أفقدت الدماء التى أريقت أمام «الاتحادية» رئيس الجمهورية الكثير من الشرعية الأخلاقية، فقد كان واجبه عصمتها وحماية السلامة الجسدية للمعتصمين وللمتظاهرين أمام قصره، أفقد إعلان الاستبداد الرئاسى والحنث بالوعد المتعلق بعدم دعوة الشعب للاستفتاء على دستور غير توافقى، الرئيس الكثير من الشرعية السياسية، أفقد الانحياز لجماعته ولأحزاب ولتيارات الإسلام السياسى على حساب مطالب قطاعات واسعة ترفض أن يحتكر الوطن لفصيل واحد الدكتور مرسى الكثير من شرعية القبول الشعبى. سقط رئيس الجمهورية فى هوة فقدان الشرعية والمطالبة بالرحيل، ولن يتأتى له الخروج منها إلا باستجابة حقيقية للمطالب الشعبية والأمر بمحاسبة قانونية جادة لجماعته المسئولة بميليشياتها عن جريمة قتل وإصابة المعتصمين والمتظاهرين أمام «الاتحادية». ومع بالغ الأسف، لم تحمل الدعوة للحوار أياً من هذا ولم يدلل الرئيس على استقلاليته، ولو النسبية، عن جماعة الإخوان ومكتب الإرشاد.
3- اتسمت جلسات سابقة للحوار بين الرئيس والقوى الوطنية بشكلية صارخة وبغياب لنتائج محددة، بل إن الرئيس وقبل أن يصدر إعلان الاستبداد كان فى مشاورات واسعة مع القوى الوطنية بشأن الجمعية التأسيسية ومسودة الدستور وسبل الوصول إلى توافق، وانتهت المشاورات هذه بفعل رئاسى فى اتجاه معاكس تماما، فأصدر الإعلان ودعا للاستفتاء على الدستور غير التوافقى. يصبح من ثم القلق من كون الدعوة للحوار شكلية وتهدف لتحسين صورة الرئيس بعد قراراته الاستبدادية أكثر من مشروع.
على الرغم من كل ذلك، ما زلت مبدئياً مع الحوار كوسيلة لتجاوز الحالة الخطيرة الراهنة وكبح جماح العنف، الذى أدينه أيضاً بالكامل حين يتجه لمقار الإخوان وقياداتهم، وحماية كيان الدولة المصرية والسلم المجتمعى.
يستطيع الرئيس أن يعلن قبول إلغاء إعلان الاستبداد وتأجيل الاستفتاء مقروناً بالوصول إلى دستور توافقى وأن يحدد أجندة الحوار بدقة. هنا لن يبتعد وطنى واحد عن الحوار.
0 التعليقات:
Post a Comment