المناحة المنصوبة على فكرة الحوار الوطنى بمناسبة رفض مجلس الشورى للمادة الخاصة بإسقاط عضوية النائب المنتخب إذا قام بتغيير انتمائه الحزبى، تبدو أشبه بافتعال جنازة مزيفة، يحمل فيها نعش فارغ من الأموات.
بداية فإن مجلس الشورى لم ينته بعد من إقرار مواد القانون، ولا تزال هناك جلسة مقرر لها اليوم السبت لحسم الصياغة النهائية، ورغم ذلك سارع بعضهم بنصب سرادق العزاء فى الحوار الوطنى، وانطلق اللاطمون والنائحون فى ممارسة وتمثيل طقوس الحزن المثير للضحك.
إن مسودة القانون كما انتهت إليها لجنة الحوار كانت تحمل أربع مواد جوهرية هى بترتيب الأهمية: وضع المرأة فى النصف الأول من القوائم التى تضم أكثر من أربعة مرشحين، والثانية هى تحديد العتبة الانتخابية بثلث عدد أصوات الدائرة، والثالثة تخص منع المتهربين من التجنيد من الترشح، والأخيرة هى إسقاط العضوية عن النائب فى حالة تغيير انتمائه الحزبى.
وحتى هذه اللحظة تمضى مناقشات مجلس الشورى فى اتجاه الالتزام بالنص الذى انتهت إليه لجنة الحوار فى النقاط الثلاث الأولى، وبقيت الرابعة محل جدل وخلاف وأخذ ورد حتى الآن، وأحسب أن «الشورى» ينبغى أن يحافظ على مساحات التوافق التى انتهت إليها الأحزاب والقوى السياسية المشاركة فى الحوار، وقبل ذلك فإن الأحزاب التى شاركت فى صياغة تعديلات قانون الانتخابات ووافقت عليها يجب أن تمارس أبسط مظاهر الاتساق مع الذات، ولا تحنث بما تعاهدت عليه، يستوى فى ذلك أحزاب الوفرة وأحزاب الندرة فى عضوية المجلس.
وإذا كان «الشورى» قد التزم حتى الآن بأكثر من ثمانين فى المائة مما جرى التوافق عليه، فإن التملص من نصف بالمائة فقط يضرب فكرة التوافق والحوار المحترم فى مقتل، ويضع مؤسسة الرئاسة فى حرج بالغ أمام الرأى العام وأمام نفسها، وأخص هنا المستشار محمود مكى النائب المستقيل لرئيس الجمهورية، والمشرف على الحوار.
و أشهد أن الرجل بذل جهودا مضنية فى إدارة الجلسات، وإذابة ما تعرض له الحوار من جلطات كادت تودى به فى كثير من المواقف والمحطات، وعليه يصبح مطلوبا فى الجلسات القادمة أن يؤسس المشاركون لعلاقة تعاقدية حاكمة وملزمة بما يتم التوصل إليه من نقاط اتفاق وتوافق، على أن يوقع عليها جميع الأطراف لتكون حجة على من يتراجع أو يتملص أو يبدل فى مواقفه.
و من هنا يبدو الإعلان عن ترشيح المستشار مكى سفيرا لمصر فى الفاتيكان أمرا غريبا، فى توقيته وفى دلالته، ذلك أن الرجل أخذ على عاتقه إقامة حوار وطنى جامع يتصدى لكل ما يتهدد البلد من أخطار انقسامات واستقطابات حادة.. فهل ضاق القاضى المحترم ذرعا بمماحكات الأحزاب، أم أن للحوار أجندة أخرى ظهرت مع مجىء جون ماكين إلى القاهرة؟
0 التعليقات:
Post a Comment