أكتب هذه السطور قبل أن تنطلق وقائع جمعة ذكرى الثورة، مثل الملايين أبتهل إلى الله ألا تسيل دماء جديدة فى ظل هذه الحالة الجنونية من الشحن والتعبئة ومضخات الكراهية التى تعمل بكامل طاقتها.

وعلى وقع آنباء متطايرة عن مجموعات ترتدى الأسود وتجد من يصفق لها على اتجاهها لاستخدام العنف بحجة حماية الثورة والمتظاهرين، وفى ظل طغيان الأقنعة السوداء على المشهد لا تملك إلا أن تقلق وتنزعج وتلهج بالدعاء مع كل المصريين أن يمر يوما ٢٥ و٢٦ يناير على خير، حيث يدور الصراع بلا قواعد ولا ضوابط ولا أسقف للغضب.

لقد فشلت النخب السياسية ــ حكومة ومعارضة ــ فى إدارة صراعها السياسى على نحو أكثر عقلانية وديمقراطية، وبدلا من أن تتصارع هذه النخب وفقا لقواعد محترمة للعبة من أجل الجماهير، لجأت إلى ممارسة الحد الأقصى من النزق والتهور باستخدام الجماهير.. ورأينا هذه النخب تختبئ خارج الأسوار وتلقى بالجمهور إلى جحيم حلبة الصراع، فى انتظار حصد النتائج ووضعها فى رصيدها الخاص.

إن المتابع لخطاب الرموز خلال الأيام القليلة الماضية سيلمس تغييرا فادحا فى المضمون وفى اللهجة وجنوحا إلى العنف، حيث تبدلت المطالب وتطورت بالطريقة ذاتها التى جرت بها الأمور فى أحداث الاتحادية.. وبعد أن كان الكلام يمضى فى طريق إحياء مطالب الثورة وتعديل الدستور حدثت قفزة هائلة فى اللغة ليصبح الهدف مرة أخرى إسقاط النظام برئيسه.

وعلى الجانب الآخر وبعد أن كانت تيارات الإسلام السياسى تعلن التزام الصمت والهدوء وعدم الخروج تراجعت هى الأخرى ولوحت بأنها لن تقف ساكنة أمام الجموع الأخرى.

وعلى ذلك فإنه أى دماء ستسيل اليوم ــ لا قدر الله ــ ستكون برقبة تلك النخب التى فشلت فى إيجاد حالة من الصراع السياسى المتحضر من أجل الحياة، لتخطف الجميع إلى صراع ضد الحياة، وأعنى بالنخب كل الذين أشاحوا بوجوههم عن قيم العيش الواحد والمشترك، وأطلقوا الرصاص على الأمل فى حوار سياسى إنسانى، وفضلوا عليه سيكولوجية الصراع الغاباتى المجنون.

والحاصل أن أحزاب الإسلام السياسى أقدمت على قتل فكرة الحوار بين شركاء الوطن فى مهدها، من خلال هذا السلوك الجشع مع مناقشة قانون الانتخابات فى مجلس الشورى، وفى المقابل التقط بارونات المعسكر الآخر ورجعوا إلى الشحن والتصعيد والحقن بكل أنواع سموم الكراهية فى أوردة المصريين.

وقبل هؤلاء جميعا يقف رئيس الجمهورية مسئولا أولا وأساسيا فى هذا التشظى والانشطار الحاصل بين شركاء الثورة، ذلك أنه أهدر عديدا من الفرص المناسبة لصياغة مشروع وطنى جامع، حتى وإن كان جنرالات الغضب مساهمين فى الإبقاء على حالة الاستقطاب الحاد توهما أنهم واصلون إلى الحكم على عظام المتظاهرين.

إن أية نقطة دم أخرى لو سالت ستكون فى رقبة هؤلاء جميعا.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -