لست مع اختزال المشهد السياسى الراهن فى مصر إلى مجموعة القضايا المرتبطة بالانتخابات البرلمانية القادمة، فمواجهة الدستور المشوه، والتصدى للسياسات والممارسات غير الديمقراطية لجماعة الإخوان وحلفائها، والوقوف أمام هجمة الغلاء الجديدة التى تُحمل محدودى الدخل العبء الأكبر للأوضاع الاقتصادية السيئة جميعها أمور تقتضى الحفاظ على مسار الاحتجاج الشعبى السلمى وتنشيطه، كذلك يتعين على القوى الاجتماعية والسياسية الرافضة للدستور المشوه مواصلة الضغط الشعبى والعمل العام من أجل الوصول إلى آليات ملزمة لتغيير مواده المعيبة، وهذا هدف لن يتحقق بسهولة أو فى غضون فترة زمنية قصيرة. بدمجها داخل هذا المشهد السياسى المركب ينبغى التعاطى مع القضايا المرتبطة بالانتخابات البرلمانية والنظر إليها، من قِبل القوى الاجتماعية والسياسية الرافضة للدستور ولإعادة بناء الاستبداد فى مصر، بكونها ساحة إضافية للدفاع عن مصر الديمقراطية والعادلة اجتماعياً. هنا يمثل قانون الانتخابات الجديد (تعديل بعض أحكام القانون رقم ٣٨ لسنة ١٩٧٢ بشأن مجلس الشعب والقانون رقم ٧٣ لسنة ١٩٥٦ بشأن تنظيم مباشرة الحقوق السياسية) قضية أولى يتعين الاهتمام بها واختبار تداعياتها المتوقعة. ومناط الاهتمام والاختبار هو مدى مواءمة القانون الجديد لعناصر النزاهة والشفافية بالعملية الانتخابية وضماناتها، فقد أجهز الدستور المشوه، بمادته (فى الأحكام الانتقالية) التى حددت طبيعة النظام الانتخابى مستندة إلى ثنائية القوائم والمقاعد الفردية وأقرت نسبة ثلثى المقاعد للقوائم والثلث للفردى، على فرص النقاش السياسى والعام بشأن طبيعة النظام الانتخابى الأفضل لمصر فى المرحلة الراهنة (قائمة أم فردى أم مختلط) واختزل قضية قانون الانتخابات إلى الأمور التنظيمية والإجرائية المرتبطة بعناصر النزاهة والشفافية وضماناتها.
فى هذا الصدد، وكما تدلل بعض المواد الواردة فى القانون الجديد وكذلك بعض المواد الغائبة عنه، لن يدفع قانون الانتخابات مصر خطوة حقيقية إلى الأمام على طريق النزاهة والشفافية، إن استمرت صيغته المتداولة الآن للنقاش داخل مجلس الشورى دون تعديلات جوهرية. فالقانون ينص على استمرار عملية الانتخاب من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساء وعلى جواز المد لساعات أخرى، وهو ما يقضى على إمكانية المد ليوم آخر كما تطالب الكثير من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى بهدف رفع معدلات المشاركة الشعبية فى الانتخابات والاستفتاءات. وبينما يعتمد القانون قاعدة الفرز وإعلان النتائج فى اللجان الفرعية فى حالة المقاعد الفردية، ينص على فرز صناديق مقاعد القوائم فى اللجنة العامة الخاصة بالدائرة الانتخابية وهى لجنة المحافظة، وهو ما يسهل من احتمالية التلاعب بالنتائج والتزوير، كذلك لا يشترط القانون حضور وسائل الإعلام وممثلى المجتمع المدنى لمتابعة الانتخابات وعملية الفرز وإعلان النتيجة وفى هذا ضمانة أساسية لمواجهة التجاوزات والمخالفات، بل يشير فقط إلى السماح بحضورهم، كذلك يفتح القانون الباب واسعاً لضغط الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب على الأقلية عبر تمكين المجلس من النظر فى صحة عضوية أعضائه الذين لم تقدم بشأنهم طعون أمام محكمة النقض، وفى هذا خطورة بالغة على قدرة الأقلية على ممارسة عملها التشريعى والرقابى داخل المجلس دون تعريضها لطغيان الأغلبية ويهدد من ثم تماسك الأداء البرلمانى ككل.
أما المجموعة الثانية من النواقص، فتتعلق بالمواد الغائبة عن قانون الانتخابات وضمانات النزاهة والشفافية المسكوت عنها. فمنذ استفتاء التعديلات الدستورية فى ٢٠١١، والاستفتاءات والانتخابات المصرية تعانى من توظيف منظم لدور العبادة فى الدعاية والحملات الحزبية والانتخابية على الرغم من وجود حظر قانونى واضح، فهل يحوى القانون الجديد حزمة واضحة من العقوبات التى يرتبها توظيف دور العبادة وتطبق على الأحزاب والمرشحين المستقلين؟ الإجابة هى لا. أيضاً منذ استفتاء ٢٠١١، ونحن نفقد الناخبات والناخبين ثقتهم فى صندوق الانتخابات بسبب التعامل غير الجاد مع التجاوزات (المخالفات والانتهاكات وعمليات التزوير) التى تشهدها العمليات الانتخابية. فهل يتضمن القانون الجديد نصوصاً قاطعة تلزم اللجنة المشرفة على الانتخابات بالتحقيق قضائياً فى كافة التجاوزات الموثقة وعدم إعلان النتائج النهائية قبل انتهاء التحقيق؟ الإجابة هى لا. ولا تقل خطورة عن هذه الضمانات المسكوت عنها حقيقة أن القانون الجديد يفتح الباب، وبعد النص الدستورى الملتبس، للتلاعب بقاعدة الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات ويواصل التنصل من إقرار مبدأ الرقابة الدولية.
هذه، إذن، نواقص قانون الانتخابات الجديد كما سجلتها والمرتبطة بمواد واردة به وأخرى غائبة عنه، أضعها ها هنا أمام أعضاء مجلس الشورى بمختلف انتماءاتهم الحزبية والسياسية، كى لا يدّعوا بعد تمرير القانون أن نواقصه لم تعرض عليهم وأن المسئولية تتحملها الأطراف الغائبة عن «موائد الحوار الوطنى»، ها هى النواقص أمامهم، وبالقطع ثمة نواقص أخرى تتناولها كتابات وتعليقات أخرى، فإن أرادوا مصر خطوة حقيقية إلى الأمام على طريق نزاهة وشفافية الانتخابات فليتجاوزوها.
0 التعليقات:
Post a Comment