تنافس مصر منذ أيام النظام الساقط وحتى الآن على المراكز الأخيرة فى جدول البؤس الاقتصادى، وها هى الآن تنافس بمنتهى الشراسة لخطف أحد المراكز البارزة فى قاع جدول البؤس السياسى.

وأدواتها فى المنافسة تبقى دوما الهروب من استحقاقات السياسة الرصينة إلى مراعى الشعارات والهتافات الممتدة طولا وعرضا.. الأغلبية تمارس السلطة دون أن تمارس الحكم بشكل مقنع، وفقا لتعبير النيويورك تايمز.. والمعارضة تمارس الاحتجاج والغضب دون تقديم ما يثبت جدارتها كبديل جيد للحكم.

هناك إذن حالة فرار من ممارسة السياسة بآلياتها الواقعية والحقيقية واستمراء لحالة الفضاء والخواء والعدمية التى تتخبط فيها مصر منذ شهور، فكلا الطرفين يدعى أنه الأكثر جماهيرية وقبولا شعبيا، دون أن يحتكما إلى اختبار عملى جاد يظهر الأوزان الفعلية لكل فريق ويقيس حجمه فى الشارع.

كلاهما يخوض المعركة فى الإعلام وفى الشارع، وكلاهما يزعم أنه الأقوى والأحق بقيادة الشعب، دون أن تتاح الفرصة للشعب لكى يقول كلمته عبر الوسيلة الوحيدة المعترف بها فى التقويم السياسى وهى الانتخابات.

وكأنهم جميعا يهربون من لحظة الاقتراع، فالسلطة تقدم كل يوم على خطوات وإجراءات تمنح خصومها مزيدا من الحجج والمبررات لمواصلة عملية الفرار من الامتحان الجاد، والمعارضة بدورها تغير وتبدل فى حجم المطالب وترفع سقف الشروط لكى تدخل فى حوار أو تفاوض أو تنافس انتخابى جاد.. السلطة تقفز بعيدا عن امتحان اللحظة الراهنة إلى المستقبل الانتخابى.. والمعارضة تفر من استحقاق المستقبل بالاختباء فى أحراش المشهد الراهن وتتمنى ألا يتزحزح أو يتحلحل قيد أنملة.

وفى ظل هذه الحالة من المناكفة والتزلج على ألواح الفراغ تبقى مصر بلا مجلس تشريعى منتخب انتخابا حقيقيا، ويبقى نزيف الاقتصاد مستمرا، وتظل الحالة الأمنية متضعضعة، وفى مناخ بائس هكذا تتراجع القضايا الكبرى والمصيرية، فينخفض منسوب الاهتمام والقلق على ما يجرى على حدودنا الشرقية، ويصبح الكلام عن القدس والقضية الفلسطينية فى نظر بعضهم نوعا من الترف والرفاهية، بل صار الفلسطينيون فى مرمى نيران البذاءة والتفاهة الإعلامية.. وبشكل عام بات «تحرير» الاتحادية من الرئيس «الإخوانى» مقدما لدى البعض على تحرير القدس، وأصبح تأمين الاتحادية سابقا على تأمين حدودنا فى مواجهة الأعداء لدى البعض الآخر.

إن الجميع متورطون فى استخدام لغة الإشارات والتلميحات فى وقت وجب فيه الكلام الواضح والتصريح القاطع بالمعانى، فالسلطة تجعل الباب مواربا فيما يتعلق بموضوع حكومة التوافق والتشارك، وكذلك المعارضة تستخدم الأسلوب ذاته فى قضية المشاركة فى الانتخابات القادمة، فتارة ستشارك وأخرى تلجأ للتلميح بالمقاطعة. وهكذا تمضى مصر فى لعبة الحرث فى البحر والبناء الافتراضى على رمال ناعمة.

وفى أوضاع كهذه لا أظن أن أحدا يستطيع منافسة مصر على تذيل جدول البؤس الحضارى.

وطن هذا أم مكلمة؟

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -