ما يدور على منابر مساجد الجمعة الآن شىء يدعو للأسى، ويثير القلق والشفقة على المصير البائس الذى أزلقت إليه خطبة الجمعة، ذلك العيد الأسبوعى الذى يرتقى بالروح وينقيها ويهذبها ويشذبها، ويردم الفجوات بين الجيران والأصدقاء والمعارف.
لقد تحولت خطبة الجمعة إلى مادة ثرية على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية بالنظر لما صارت تحمله من عناصر إثارة وفواتح لشهية القراءة تتضمن مواقف وطرائف ونميمة وخناقات واشتباكات وقدرات هائلة على التنكيت والتهريج أحيانا.
وإذا كان التعميم غير جائز فى رصد أى ظاهرة، فإن بعضا من المنابر الشهيرة صارت هدفا لعدسات المصورين وأقلام المحررين، بما تقدمه من توليفة مثيرة من خطاب يجرح إلى حد كبير مقام المنبر ويزيل الفوارق بين الخطاب الدينى الوقور الجاد، وبين هتافات الشوارع وتعليقات التوك شو وشعارات الجدران.
وقد سبق وكتبت عن هذه التقليعة الجديدة فى خطبة الجمعة، المؤيدة والمعارضة، فى ديسمبر الماضى تحت عنوان «دمويون ومهرجون فوق المنابر»، حيث شهد أحد أيام الجمعة خطبتين مغرقتين فى الشطط والابتعاد التام عن مراعاة هيبة المسجد ومكانة الواقف على منبره.
وتناولت فى ذلك الوقت «خطيب الجمعة الذى أراد منافقة الدكتور مرسى وخطيب التحرير الذى هدد بتصفية الرئيس مرسى بلا محاكمة، كلاهما أخطر على مصر وعلى ثورتها من ألد أعدائها».
وقلت إن خطيب الشربتلى ارتد بنا إلى أزهى عصور مداهنة الحاكم، ومن حيث أراد أن يجامل، فتح على الرئيس نوافذ جديدة للغضب والهتاف ضده، حتى إن الأخير وكما نقلت «بوابة الشروق» لم يجد بدا من مشاطرة المصلين الغضب والهتاف ضد الخطيب الذى أراد الرئيس فرعونا لا ينبغى أن يسائله أحد أو يرد له كلمة.
وفى مقابل خطبة المداهنة كانت هناك خطبة بميدان التحرير تقطر منها دماء العقل والمنطق والتاريخ وحسب ما نقلته الفضائيات فى ذلك بدا الخطيب دمويا وتصفويا ومغرضا وعابثا بالتاريخ والفقه حين هدد رئيس الجمهورية بأن الجماهير لن تحاكمه بل ستقتص منه عقابا له على مقتل الشهيد جابر صلاح «جيكا» فى ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن على.
ومن عجب أنه بعد شهور من هذه الخطبة الدامية يعود الخطيب ذاته أمس مهاجما بشراسة مظاهرات بمشاركة مصابى الثورة وأهالى شهدائها تطالب بالقصاص العادل عبر محاكمات ثورية عادلة من قتلة ثوار يناير، ويعتبر ذلك عدوانا على القضاء وإهانة له.
غير أن «الانفلات المنبرى» لم يكن أمس حكرا على معارضى الرئيس وجماعته فخطيب الجمعة أمام دار القضاء العالى لم يكن أقل عنفا وتصفوية حين دعا الله أن يبيد الليبراليين والعلمانيين، فكلاهما يمارس الشطط ويشطح بعيدا عن القيم الإنسانية للعقيدة الإسلامية، ويحيل المنبر إلى منصة لإطلاق شماريخ وعبوات الكلام الحارقة.
ولم ينج خطيب عمر مكرم مظهر شاهين الذى سبق وأن أشدت بما قدمه من جرعات روحية إيجابية للميدان فى أيام النقاء الثورى، من السقوط فى إغراء الإثارة والتسخين حين ورط نفسه فى استخدام أساليب التوك شو على المنبر، آخذا المصلين إلى ترديد ما تسكبه خلاطات الشائعات بشأن بيع مصر، رابطا بين قضيته الشخصية مع الأوقاف بشأن المسجد، بقضايا عامة، لينتهى ساخرا جدا بالقول إنهم ربما يؤجرون «عمر مكرم».
منابر المساجد ليست ستدويوهات توك شو أيها السادة.
0 التعليقات:
Post a Comment