الأصوات ذاتها التى حاولت إشعالها نارا بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية تعاود الكرة الآن فى مسعى ساذج لافتعال حالة صراع بين المؤسسة الدينية، ممثلة فى الأزهر الشريف، وبين رئيس الجمهورية.

إن واقعة تسمم طلاب جامعة الأزهر ليست أكثر من حادث جنائى استوجب التحقيق مع المهملين والمقصرين ومعاقبة من تثبت إدانته فيها، غير أن البعض وجدها فرصة لتسميم العلاقة بين الرئيس والإمام الأكبر، من خلال توظيف التسمم الغذائى سياسيا واستثمار الحادثة فى صناعة حكايات وحواديت تذهب إلى أن الأمر مدبر بليل للإطاحة بشيخ الأزهر من منصبه، بل وقطع الخيال التافه شوطا أبعد من ذلك فى اصطناع سيناريوهات لا تجد لها نظيرا إلى فى تاريخ الحركة الصهيونية العالمية، من عينة إغراق سفن المهاجرين اليهود فى عرض البحر لاستدرار المزيد من تعاطف العالم وابتزاز مشاعره.

والمضحك فى المسألة أن الذين يرتدون عمامة الأزهر الآن وينصبون من أنفسهم حراسا للشريعة هم أنفسهم الذين ملأوا الدنيا صياحا عن ضرورة إبعاد الأزهر عن الشأن السياسى، بل أنهم هم أنفسهم الذين هاجوا وماجوا ضد فضيلة شيخ الأزهر حين أقدم على مبادرة شجاعة لإيقاف نزيف دماء المصريين وتبنى مباحثات وثيقة نبذ العنف، التى رفضتها القوى التى تدعى المدنية واتهمت الشيخ الطيب بسببها بأنه خادم للنظام وعراب له ويحاول توفير الغطاء الروحى لممارساته التى رأتها هذه القوى قمعية وغير ثورية.. كما لم يسلم من سيول البذاءة نفر من شباب الثورة الحقيقيين الذين تحولوا فى غمضة عين إلى عملاء للنظام وخونة لدماء الشهداء لمجرد أنهم تولوا التنسيق لمبادرة نبذ العنف وتحريم إراقة دماء المصريين.. بل أن بعض غلاة الثورية المهندسة وراثيا ذهب إلى ما هو أبعد متهما الطيب بأنه من فلول نظام مبارك.

والآن.. وبلا أية مقدمات تحول الإمام الأكبر فى نظر الثوريين النوريين إلى أيقونة ثورية ورمز للنضال والمقاومة الباسلة ضد رئيس الجمهورية القادم عبر انتخابات حقيقية لأول مرة فى تاريخ مصر، فى تناقض صارخ مع تقولاتهم وتخرصاتهم التى لم يجف حبرها بعد ضد الشيخ نفسه، وما جرى إبان بدء جلسات الحوار الوطنى ليس ببعيد، حين اتهموا الدكتور الطيب وكل من جلسوا على مائدة الحوار بأنهم أتباع مرسى.

إنه الخلل الأخلاقى والمنطقى ذاته الذى جعل هؤلاء الذين هتفوا طويلا ضد حكم العسكر يعودون ويتمرغون فى ترابهم ويلعقون البيادات استجداء لانقلاب على الرئيس واستدعاء لمعركة بين المؤسسة العسكرية والرئيس.

وكما لم تلق تلك الدعوات الهزلية للجيش كى ينقلب أدنى التفاتة أو اعتبار، تمضى دعوات دق طبول حرب عبثية وهمية بين المشيخة والرئاسة إلى المصير ذاته، فالثابت أن علاقة احترام حقيقى تربط بين الرئيس وفضيلة الإمام الأكبر، الأمر الذى يدحض تلك الترهات القائمة على أن مرسى يعاقب الطيب ويحرق الأرض تحت قدميه بسبب مشروع الصكوك.. وأبسط قواعد المنطق والتفكير السليم تقول إن الرئيس لا يملك إقالة شيخ الأزهر بنص مواد الدستور الجديد، فضلا عن أن إحالة مشروع قانون الصكوك إلى الأزهر يجسد احترام مؤسسة الرئاسة لمقام الأزهر الشريف شيخا ومشيخة.

ومرة أخرى لا تجد تفسيرا لهذه الحالة من التحريض الماجن على حرب بين الشيخ والرئيس إلا أن البؤس لا يزال يتوغل فى عظام النخب السياسية ولحمها، فيجعلها تؤدى الرقصة المجنونة ذاتها فى كل المناسبات وبأداء مكرر ورتيب حد الملل.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -