الذين أرقتهم ضحكة مبارك السينمائية الصفراء لا ينبغى لهم أن يستسلموا لما يراد لهم من إحساس بالإحباط واليأس، فهذه الابتسامة من منتجات ماكينة التكفير بالثورة، بمهارة خبراء السيناريو والإخراج والمونتاج الذين استجمعوا كل أدواتهم ومهاراتهم فى الخدع السينمائية لصناعة لحظة درامية تفترس المشاعر المنهكة.

إن ابتسامة الشهيد الخضراء المغسولة فى ندى صباحات ١٨ يوما معطرة بالمطر النظيف أقوى من ضحكات صفراء، داخل قفص المحاكمة، وفى قلب أقفاص القرود التليفزيونية التى تلهو فى سلاسلها طربا وشماتة فى الذين اعتنقوا الثورة وحلموا بوطن أجمل وأرقى.

و إذا كانت عبقرية إخراج سينما الثورة المضادة قد تفوقت فى مشاهد محيط أكاديمية الشرطة، حيث مقر المحاكمة، فإن هذا لا يعد مؤشرا على انتصارها فى الواقع، ذلك أن جهودا جبارة بذلت، ونفقات باهظة دفعت، طوال الشهور الماضية لحرق مساحات الحلم والأمل فى نفوس الذين انحازوا للثورة واتخذوها طريقا وطريقة لمحبة الوطن.

ومن أسف أن الثورة فى ثوبها الجديد الغريب الفضفاض انشغلت أكثر بتبنى قضايا حمادة صابر وعبد المجيد محمود وابتعدت وأهملت إلى حد النسيان شهداءها الأصليين الحقيقيين، وعلى هذا كانت الصورة عند الأكاديمية: أبناء المخلوع يحتشدون بالطبول والأعلام والتماثيل والكاميرات والميكروفونات المضادة، بينما أهالى شهداء الثورة وحدهم كالأيتام، دون أن ينضم إليهم أو يحضر معهم أحد من أولئك النجوم الذين انتفخوا وتوهجوا إعلاميا بالتزلج فوق ألواح الكلام المنمق عن حق الشهيد.

كانت الثورة بعد حقنها بأجسام مضادة مشغولة ومنهمكة فى الكفاح من أجل إعادة نائب عام تعرضت فى عهده قضايا الشهداء والمصابين للتشويه والمحو والقتل العمد حتى وصلت إلى القضاء مهلهلة مليئة بالثقوب والثغرات بما يكفى لمرور الجمل بموقعته منها، وبالطبع لم يكن فى الحناجر الثورية متسع للهتاف بحقوق الشهداء الضائعة، بل إن بعضهم لا يمانع فى خروج مبارك وأركانه منها كالشعرة من العجين على سبيل إغاظة الرئيس الإخوانى وجماعته.

إذن من حق مبارك أن يضحك طويلا وعريضا، وهو يرى الجموع الغفيرة التى توجهت لمحاصرة مقر نائبه العام فور النطق بالحكم فى نهاية المحاكمة الأولى ٢ يونيو الماضى، اعتراضا على عبث النيابة بأوراق القضية، تغير من استراتيجيتها الآن وتناضل من أجل عودته، بعد عشرة أشهر من مطالبتها برأسه.

غير أن ما يدعو للأسى أنه فور إعلان تنحى القاضى أمس الأول وإحالة القضية لمحكمة استئناف القاهرة بدا وكأنه استقر فى يقين الناس أن ما يجرى ليس إلا تمثيلية سخيفة ستنتهى بخروج مبارك وأركانه،

والسؤال الآن: هل يتذكر رئيس الجمهورية المنتخب وعوده وعهوده التى هتف بها فى قلب ميدان التحرير عن أن حق الشهداء أمانة فى رقبته؟

و إذا كان يتذكر فماذا لديه ليقدمه لانتشال المصريين من مستنقعات الإحباط واليأس من عدالة ناجزة ترد الحقوق وتحفظ قدس أقداس الثورة من الضياع؟

الصديق المحترم سعيد توفيق يحاول الإجابة بتوجيه نصيحة للرئيس بقراءة المادة ١٥٠ من الدستور الجديد وفيها «لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا ونيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة وللجميع فى جميع الأحوال».

وعليه يطالبه باستفتاء على محاكمات استثنائية للفاسدين والقتلة حماية للثورة وشهدائها.. وما على الرسول إلا البلاغ.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -