لا أدعم ما يحدث فى مجلس الشورى الآن من نقاشات حول تعديل قانون السلطة القضائية، لأسباب كثيرة؛ أولاً مجلس الشورى ليس بديلاً عن مجلس النواب، وإنما سلطة التشريع الكاملة المحددة له هى جزء من ترتيب مؤقت لمنع رئيس الجمهورية من الجمع بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وكانت الفكرة وراءه أن يكون مجلساً مؤقتاً لحين انتخاب مجلس النواب الجديد خلال ستين يوماً من إقرار الدستور. وبدلاً من أن يجمع الرئيس بين السلطتين، أو أن ينص الدستور على عودة مجلس الشعب المنحل، أو أن تستمر الجمعية التأسيسية غير المنتخبة مباشرة من الشعب فى القيام بهذا الدور؛ فليكن دور مجلس الشورى القيام بهذا الدور مؤقتاً وفى قضايا محددة لحين انتخاب المجلس الجديد.
وبالتالى فإن المجلس يتجاوز اختصاصاته المفهومة ضمناً بأن يأخذ البلاد فى طريق لا أعرف ما هو العائد منه إلا المكايدة السياسية مع السلطة القضائية التى ستحتاج إلى تعديل قوانينها بالضرورة للمواكبة مع الدستور الجديد، ولكن هذا لا بد أن يتم بطريقة دستورية أصلاً. مجلس الشورى ينبغى أن تراجع كل تشريعاته مرة أخرى من قبل مجلس النواب الجديد، لا سيما مع ذلك التوسع غير المبرر فى سلطاته وصلاحياته. هذا إن لم تقم المحكمة الدستورية العليا بإعلان أن القوانين المكملة للدستور ما كان ينبغى أن تصدر فى غيبة مجلس النواب أصلاً.
إذن نحن نضيع وقت أنفسنا، ونتلهى فى مكاسب تافهة، ونخوض معارك لا تحل مشاكل المواطنين، ولا توسع لهم أفقاً أوسع. العيال عيانة ومش بتذاكر وأخلاقها فى الحضيض، والأم والأب فى نزاع جوهره من يقوم يفتح الباب.
ماذا يقول الدستور فى هذا الأمر؟
المادة (169) تقول إن كل جهة أو هيئة قضائية تقوم على شئونها؛ ويكون لكل منها موازنة مستقلة، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها؛ وذلك وفقاً لما ينظمه القانون.
وفهمنا أن السيد رئيس الجمهورية الذى هو بحكم الدستور كذلك (مادة 132) رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية ويراعى الحدود بين السلطات، قد دعا إلى مؤتمر للعدالة سيحضره بنفسه، وأنه سيتبنى ما فيه ويقدمه للبرلمان.
ولكن يبدو أن المعاندة والمكايدة والمزايدة أوصلتنا إلى أن نادى القضاة وضع شروطاً اعتبرتها الرئاسة «مهينة»، مثل شروط على حضور الرئيس وعلى مكان عقد المؤتمر وعلى التزامه بنتائج المؤتمر دون أن يتدخل وأن يعرضه على مجلس النواب وليس على مجلس الشورى.. وهكذا. وسواء كانت هذه المطالب عادلة أم غير عادلة، لكن واضح أن كل طرف أصبح يتعامل مع الطرف الآخر بمنطق: «إنتم نسيتم نفسكم ولا إيه؟».
ورغماً عن أن مونتسكيو، المفكر الفرنسى، هو أول من أصّل لفكرة «الفصل بين السلطات»، وظلت العلوم الدستورية والسياسية تناقش أشكال هذا «الفصل» وأبدعوا مصطلحات مثل «الفصل المرن والفصل الجامد» وتوزيع السلطات والتوازن بين السلطات.. وغيرها، فإننا فى مصر الآن نخترع نمطاً جديداً اسمه «البلطجة بين السلطات».
كل طرف يمكن أن يزعم أنه يمارس سلطاته وفقاً للدستور والقانون والعرف المستقر، ولكن كل طرف كذلك يمكن أن يتعسف فى ممارسة هذه السلطات. هذه التعسف هو الاختراع المصرى الجديد الذى نطالب بتسجيله تحت عنوان «البلطجة بين السلطات».
المحاكم تستطيع أن تحل مجلس الشورى (هناك قضية منظورة من زمان أمام الدستورية)، وأن تقيل النائب العام (هناك استئناف مقدم لمحكمة النقض)، وأن يمنع انتخابات مجلس النواب القادم (لأنه سيعود إلى المحكمة الدستورية مشروع القانون مرة أخرى قبل إقراره)، وأن يشدد العقوبة على أى قيادى من الإخوان بل ويأمر بحل حزب الحرية والعدالة باعتباره حزباً قائماً على أساس دينى، وأن يطالب بمصادرة أموال جماعة الإخوان.. وغيرها كثير.
والرئيس ومعه أنصاره يستطيعون أن يغيروا القوانين المنظمة للسلطة القضائية، فيتم عزل القضاة كبار السن بحجة المساواة، رغماً عن أن مصر بحاجة إلى المزيد من القضاة وليس العكس، ويستطيع أن يزيل الحصانة عن القضاة بقوة القانون لمحاسبة من أسهم منهم فى فساد، وهذه مسألة ستثير الكثير من الضيق.
ولكن أين مصلحة الوطن فى كل هذا؟
لم أعد أثق فى أن كثيرين من النخبة الحاكمة أو المعارضة يفعلون شيئاً لوجه الله والوطن والحياة الكريمة للمصريين.

الحمد لله لم تغيررايى فيك أبدا يادكتور
ReplyDelete