شهادة أحاسب عنها أمام الله يوم القيامة.. وهي -صراحة- من أصعب ما تكون على النفس ولكنها ضرورية لتصحيح فهم ما يجري من استقالات في المكتب الرئاسي، وهي بين ما أعرفه يقينا، وما لي خبرة به من العمل المؤسسي والعمل في الحركة الإسلامية .
أولا: هل يمتلك الرئيس رؤية واضحة للمستقبل؟
نعم ولا..
نعم: من حيث المعتقد وملامح مشروع النهضة الذي قدمه الإخوان في الانتخابات، توجد رؤية للمستقبل.
لا: لأن جزءا هاما من هذا المشروع هو "حمل الأمة له" ومعناه أن غير الإخوان من المجتمع المؤمن بالفكرة الإسلامية الحامل لهمّ الأمة، الذي يريد التغيير لنموذج إسلامي جديد: يطبق ما في حواشي الكتب من تنظير وتأسيس معرفي إلى نموذج حضاري منافس ومغاير للواقع.
والحقيقة أن من في الأمة بهذه الجرأة والمقدرة، والقادرين على التأسيس الفكري والتنظير الفلسفي للخروج برؤية متكاملة "من خارج الإخوان" قليلون جدا. وأكثرهم لا يريد التعاون في هذه المرحلة واللحظة الحرجة، فيعزوا الموضوع إلى الإخوان ودوائرهم وقليل من المخلصين العاملين بالفعل في مبادرات لتغيير الواقع. وحقيقة أعلم علم اليقين أنهم يعملون للخروج برؤية تكمل وتفصل رؤية الإخوان وتأتي بمسارات استراتيجية تنقل البلاد من النموذج الحضاري الحالي للتموذج الحضاري الجديد وتتعامل مع واقع اللحظة الراهنة.
وحقيقة مشروع النهضة على مسار الأهداف قصيرة المدى ومتوسطة المدى يعتمد على التنفيذ في ظل آليات ونظم وإطار وثقافة الدولة الحالية بشكلها الحضاري الحالي بدون إحداث تغيير ضخم في بنية الدولة. ولذلك لم ولن نشعر عن قريب بتغيير حقيقي في دولة مبارك ولا بإسلامية الدولة ونظام الحكم. ولكن سنرى وجوها أفضل وأكثر أمانة وأقل سرقة، ومشروعات متأخرة تنفذ بشكل أسرع لتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض، وقد بدأت بشائر هذا تحدث، مع تركيز أكبر على محاربة الفساد في الدولة العميقة، وتغيير ثقافة الشعب للمنظور الإسلامي والترويج للثقافة الاسلامية الوسطية السليمة (لاحظوا ذلك في الوزارات التي أصر على تناول حقائبها الإخوان ودوائرهم - التعليم والأوقاف والتموين والإعلام والعدل الذي فشلوا في إنجاز مهامه).
ثانيا: هل يحتكر الإخوان الحكم؟
نعم ولا.
نعم: فهم الآن على رأس السلطة التنفيذية رسميا بعد فوز الدكتور مرسي بالانتخابات ووجودهم في المجلس التشريعي (سلطتين من الأربعة سلطات الأساسية باعتبار الجيش والقضاء مع بقاء الجيش صوريا تحت مؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية) وتبقى الإرادة الشعبية السلطة الخامسة المهيمنة على كل السلطات السابقة .
لا: لأنهم بداخل مؤسسات الدولة لا يزيدون عن 2 % ويواجهون حربا شرسة لتمكين ما يريدون وتحريك موظفي الدولة الذين تعودوا على الفساد والعمل في أطر معينة وثقافة مؤسسية فاسدة في مجملها .
لا: لأنهم حاولوا جذب غيرهم للعمل معهم وتحمل المسئولية معهم ولكن غيرهم لم يحتمل نظامهم وثقافتهم المؤسسية، وسنتكلم عن ذلك لاحقا إن شاء الله
ثالثا: هل لا يمكّن الإخوان الشباب؟
نعم ولا.
نعم : لأنهم قدموا نماذج مثل باسم عودة، وأسامة ياسين، وفي أروقة الرئاسة يوجد شباب في كل مكان وكذلك في مناصب هامة في الوزارات التي بدأوا السيطرة عليها تجد شبابا في العشرينيات في مناصب مساعدة للوزراء أو مسئولين ملفات هامة في الوزارات أو في الرئاسة.
لا: لأنه لا زال متوسط سن المسئولين عامة عاليا ولم يتم تغيير ذلك وفتح الباب لتمكين شباب الثورة المعروفين.
وحقيقة عندما نتفهم النقطة الأولى ونستوعبها جيدا -أن المرحلة الأولى هي التمكين في ظل نظام الدولة الحالي- نجد أن تعديل متوسط الأعمار شيئا صعبا لأنهم لا زالوا يتعاملون مع مؤسسات بيروقراطية تعتبر السن شرطا للقيادة. وعملية تثوير المؤسسات ليست سهلة للغاية، وكذلك فعلى الصعيد العملي فقد اختار شباب الثورة غير المنتمين للتيار الإسلامي معاداة الإخوان، وتم رفض التعاون على من تم العرض عليهم "وليسوا بالضرورة من الشباب المعروفين إعلاميا، فليس كل من يبرزه الإعلام صالحا لقيادة مناصب الدولة، وليس كل ثوري قادرا على البناء".
رابعا: الإخوان والثقافة المؤسسية والعمل الجماعي (تعليق هام):
الإخوان فيهم ما فيهم من محاسن وقدرة على العمل الجماعي الناجح بالنسبة لحجمهم ولتاريخهم ولظروف الوطن الذي يعيشون فيه والبيئة المحيطة، ولذلك كأي ما في مؤسسة توجد إيجابيات وتوجد سلبيات. ولكي يحافظ المرء على عطائه في مؤسسة ما عليه التعامل بواقعية مع الثقافة المؤسسية فينتفع بأحسنها ويترك أو يتجنب أضرار أسوأها طالما يريد الاستمرار معها .
ولذلك نجد أن الإخوان ودوائرهم الخاصة هي من تستطيع الاستمرار والتعامل مع الإخوان لأنهم معتادون على طريقة عملهم ولغتهم وطريقة ادماجهم لغيرهم معهم، وآليات الشورى عندهم واتخاذا القرار .
وصراحة فالخطأ الذي أشهد عليه "عمليا" ويحدث حين الاحتكاك بالإخوان هو موضوع الثقة والتمييز في التعامل بين رجالهم والثقات لديهم ومن يكلفون لأول مرة، حيث يعتبرون من تكلف لأول مرة وهو ليس وراءه مؤسسة أن عليه أن يثبت أهليته للعمل الجماعي فلا يتركون له الحبل على الغارب لعدم تعرض عملهم لمخاطر كبيرة، وذلك يزعج من يعمل معهم أنهم قد يرون الخير في مساندة أهل الثقة لآداء المهام عن مساندة غير مؤهل قد لا تستمر بعد ذلك.فالحقيقة أنهم يعرضونه لاختبار عملي حقيقي .
وفي هذه الأثناء يدعمون من يرون فيه الخير والصلاح والثقة لكي ينجز المهام، وهذه من أكبر أخطائهم حيث لا يفهم الجديد على العمل الجماعي ذلك فيعتقد أنهم يعجزونه.
والدليل على ذلك أن معظم الاستقالات في الفريق الرئاسي جاءت ممن لا يستطيعون حقيقة العمل الجماعي على أصوله، ونجد أن أكثرهم بعد الاستقالة لم يقدم حقيقة على مبادرات عملية لحل مشكلات الدولة بل رجع معظمهم إلى شاشات الإعلام والنقد المستمر، ورجعوا إلى التنظير والتفنيد وليس لهم نشاط أو حراك يذكر.
وفي رأيي ستستمر هذه الإشكالية لأننا نغير الثقافة المؤسسية للدولة من ناحية وكذلك نغير في الثقافة المؤسسية للإخوان فهو تغيير مركب، ولذلك سيأخذ وقتا، فالأسهل للعنصر الجديد الذي يتعامل معهم أن يتفهمهم لا أن يتغيروا له هم. كما يتعامل أحدهم مع شركة جديدة من المستحيل أن تتغير الشركة لموظف ولكن من السهل أنيتغير موظف جديد قناعاته ليتوائم مع الشركة إذا أراد النجاح.
نحن نعيش واقعا جديدا، فيه الإخوان هم من على رأس السلطة، فمن يستطيع أن يتعاون معهم أن يقدم يد العون ويوائم أساليبهم وثقافتهم المؤسسية، وهذا هام للنجاة بالوطن.
الشيء الثاني الذي يجب أن يذكر هو خوف الإخوان الشديد من الإعلام وتأثيره ورهبتهم من حملاته المسعورة التي تنال من كل ما يفعلونه سواءا كان جيدا أم سيئا.. وهو شيء تاريخي، ومرتبط كذلك بتشكيل الوعي العام وأدواته لديهم، وهي ضعيفة بالمقارنة بالإعلام ورأس المال.
وهذا أدى إلى ضعف في إدماج الكفاءات والقواعد الشعبية وإشراك الناس في اتخاذ القرارات ومتابعة خارطة الطريق، ومعرفة حقيقة المشكلات التي تتكشف يوما بعد يوم.
ومع ذلك فحرصهم على حقن الدماء، وبذلهم مشكور في الدنيا والآخرة. ومع ذلك فسنرى صورة جديدة لمصر، وأنا متفائل بإذن الله، فالله يريد دائما التمحيص والخير في فرز الصف بابتلاء الناس أيهم أحسن عملا. اللهم ارزقنا الفهم والصدق والهداية والقبول.
0 التعليقات:
Post a Comment