تباهى جماعات وأحزاب اليمين الدينى، وفى مقدمتها جماعة الإخوان، بحرصها الدائم على تمكين المواطن من المشاركة فى إدارة الشأن العام عبر التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات. ودائماً ما تتشدق قيادات اليمين الدينى بالتزامها الخالص بالإرادة الشعبية التى تعبّر عن نفسها فى الصناديق. إلا أن ذات الجماعات والأحزاب تقف اليوم صفاً واحداً، وانطلاقاً من مقولات زائفة ومناقضة للديمقراطية وللإرادة الشعبية، ضد تمكين فئتين رئيسيتين فى المجتمع المصرى من مباشرة حقوقهم السياسية والمشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات، القوات المسلحة وهيئة الشرطة.

الأصل الديمقراطى، وكما أكدت المحكمة الدستورية العليا فى رأيها الأخير بشأن عدم دستورية بعض مواد قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس النواب، هو أن لكل مواطنة ولكل مواطن أهلية كاملة تمكّن من مباشرة الحقوق السياسية وتلزم الدولة بضمانها. الأصل الديمقراطى هو المساواة الدستورية والقانونية بين جميع المواطنات والمواطنين وتمكينهم من المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات تصويتاً وترشحاً حال انطباق شروط الترشح للمناصب المعنية. الأصل الديمقراطى هو حق العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة (وهى هيئة مدنية نظامية وفقاً للدستور المصرى ٢٠١٢) فى التصويت الانتخابى، وحقهم أيضاً فى الترشح للمناصب التشريعية والتنفيذية المنتخبة أو المعينة وفقاً لشروط الترشح المعمول بها فى القوانين، والأخيرة تتضمن فى مصر، ولجهة النيابة البرلمانية أو رئاسة الجمهورية، شرط التقاعد أو الاستقالة من العمل فى القوات المسلحة أو هيئة الشرطة.

واليمين الدينى، الإخوانى والسلفى، حين يتحايل اليوم على الأصل الديمقراطى لمباشرة العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة لحقوقهم السياسية ينتج مجموعة من المقولات الزائفة التى تفرّغ الديمقراطية والإرادة الشعبية من معانيهما. فالدفع بأن الجيش والشرطة يحميان العمليات الانتخابية بحيادية ويمكّنان المواطن من المشاركة الحرة والتصويت فى أمان ومن ثم لا ينبغى لهما المشاركة المباشرة بالتصويت، يخلط بين الدور المؤسسى لجهاز القوات المسلحة ولهيئة الشرطة وبين الحقوق الشخصية للمنتمين لهما. فالعسكريون وأعضاء الشرطة يمكن أن ينتخبوا ويدلوا بأصواتهم كمواطنين، بينما الجهاز والهيئة يحميان ويؤمّنان الاستفتاءات والانتخابات فى إطار الدور المؤسسى المحايد والالتزام الوطنى.

يفتقد المضمون الديمقراطى أيضاً التحجج بأن تصويت العسكريين بالجيش وأعضاء هيئة الشرطة يفتح الباب للتحزب بداخلهما ويعرّض مؤسسات وطنية للانقسام وللتفتت على أرضية الخلافات الحزبية والتنازع السياسى، فالقوانين المصرية تستطيع أن تحظر الدعاية الحزبية والانتخابية بجهاز القوات المسلحة أو بهيئة الشرطة وأن تمنع النشاط الحزبى والسياسى بالكامل بالجهتين لكى تباعد بينهما وبين «أمراض وشرور السياسة»، تماماً كما ينبغى أن يُفعّل ذات الحظر فى المؤسسات العامة ودور العبادة والهيئات الدينية. كذلك يمكن النص فى القوانين المنظمة لتصويت العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة فى الاستفتاءات والانتخابات على ضرورة توزيعهم على اللجان الانتخابية وفقاً لمحل السكن لتفادى ظاهرة سيئة السمعة تتكرر فى بعض دول العالم النامى، وهى ظاهرة تصويت العسكريين المجمّع فى لجان خاصة بهم يسهل التلاعب بنتائجها. الحل هنا ليس فى حرمان العسكريين وأعضاء الشرطة من التصويت، بل فى وضع مجموعة من الضمانات الدستورية والقانونية والإجرائية الكفيلة بالوصول إلى استفتاءات وانتخابات حرة ونزيهة.

لا مضمون ديمقراطى، أخيراً، فى حديث بعض ممثلى اليمين الدينى عن أن قيادات القوات المسلحة والشرطة يعادونهم وسيصوتون حتماً ضدهم ويدفعون المنتمين للجهتين للتصويت ضدهم، فمثل هذا التوقع، وبعيداً عن غياب المعلوماتية عنه، يصب فى خانة الحسابات الانتخابية الضيقة والجزئية التى تتناقض مع الديمقراطية والإرادة الشعبية. لا اختلاف بين حديث اليمين الدينى هنا، وبين حديث بعض ممثلى الأحزاب المدنية عن أن الإخوان والسلفيين يستغلون الوازع الدينى لدى قطاعات واسعة من المصريات والمصريين لبناء تأييد سياسى وانتخابى عبر توظيف دور العبادة والهيئات الدينية. لا اختلاف بين التشكيك فى قدرة العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة على الإسهام فى الدور المؤسسى للجهتين فى حماية وتأمين العمليات الانتخابية بحيادية إن سُمح لهم بالتصويت، وبين استعلاء بعض ممثلى الأحزاب المدنية على محدودى الدخل وغير المتعلمين وتشكيكهم فى اختياراتهم الانتخابية استناداً إلى خطاب الزيت والسكر الردىء، وشطط قلة دعت إلى إضفاء قاعدة الأوزان النوعية على التصويت، فيصبح للمتعلم صوت بصوتين ولغير المتعلمة صوت بنصف صوت.

الأصل الديمقراطى هو حق كل مواطنة وكل مواطن فى مباشرة الحقوق السياسية وفى صدارتها التصويت فى الاستفتاءات والانتخابات. الأصل الديمقراطى هو أن نضع ضمانات دستورية وقانونية وإجرائية كفيلة بنزاهة العمليات الانتخابية، وشروط عادلة للترشح للمناصب التشريعية والتنفيذية تضمن عدم التداخل بين السلطات والمؤسسات (القضاء والجيش والشرطة والبرلمان والرئاسة) وتضمن ألا نحاسب المواطن الفرد كما نحاسب الجهة أو الهيئة أو الجهاز. الأصل الديمقراطى هو أن ندرك أن للكثير من قطاعات وفئات المجتمع ظروفها الخاصة، من محدوى الدخل إلى ميسورى الحل، ومن المدنيين إلى العسكريين، وألا نسمح بتوظيف هذا لحرمانهم من حقوقهم السياسية أو ممارسة الاستعلاء والإقصاء إزاءهم. الأصل الديمقراطى هو تصويت العسكريين وأعضاء هيئة الشرطة، وليذهب تحايل المتشدقين بالإرادة الشعبية إلى الجحيم.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -