أما «المفتأة»، فهى أكلة تشبه العسل الأسود بدرجة لزوجة عالية وفيها سمسم، أما عم محمود، فكان يصنعها ويتغنى بها فى كل مكان، ولما تعزمه على أى حاجة غيرها يجرى يأكل من اللى هتعزمه عليه. سيأكل ولكن بعد ما يخلص أكل، يقولك: «هو ده أكل ده، هو فيه زى المفتأة؟ ويتغزل فى المفتأة، قائلاً مقولته الشهيرة: «المفتأة حياة الروح»، ويكررها وكأنها من الحقائق العلمية، خذ من قصة عم محمود بتاع المفتأة التناقض البادى فى موقفه والمبالغة الكامنة فى كلماته.

عم محمود بتاع «المفتأة» يجسد علاقة النخبة السياسية بالدستور والدستورية والقضاء بصفة عامة.

الدستور الموصوف بأنه «إخوانى» من قبل خصوم الإخوان، مطلع عنين الإخوان، رئيساً ومجلساً وجماعة، لأنه وضع كل ما له علاقة بالعملية الانتخابية فى يد القضاء، بدءاً من المراجعة الدستورية السابقة على مشروعات القوانين وصولاً إلى إنشاء مفوضية عليا دائمة للانتخابات تتمتع بالاستقلال الفنى والمالى والسياسى والإدارى عن السلطة التنفيذية، وللأمانة لم تكن هناك ممانعة كبيرة من الزملاء الذين شاركوا فى كتابة الدستور تجاه مثل هذه الأمور سواء من المحسوبين على التيار المحافظ أو من غيرهم بعد أن رفضنا من البداية صيغة النظام البرلمانى (على النمط التركى) والذى كنت، ولم أزل، أظن أنها كانت ستنتج استبداداً جديداً فى اتجاه التيار المحافظ دينياً بتنويعاته المختلفة، لأنه من سيسيطر على البرلمان ذى المجلس الواحد، كان سيسيطر على البلد كله.

وهذا الدور الإشرافى للقضاء، بالنسبة لى، لم يكن ضد أحد أو مع أحد، وكان مسطوراً فى دستور بيت الحكمة الذى خرج للنور حتى قبل تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى وقبل انتخاب رئيس الجمهورية، لذا فلا شبهة تسييس أو تحزب من وجهة نظرى أنا الشخصية.

ويظل بتوع المفتأة السياسية ينتقدون الدستور على أنه إخوانى «دبر بليل» ويلخص أحدهم فى هاتين الكلمتين الدستور الذى هو أول المستفيدين منه مثل عم محمود بتاع المفتأة لما يقولك: «المفتأة حياة الروح»، وما يثير التأمل أن بعض هؤلاء درسوا فى الخارج أو عاشوا فيه ورأوا كم من جلسات طوال لبرلمانات وجمعيات تأسيسية تستمر لساعات طوال لمناقشة أمر ما سواء كان الدستور أو غيره، وكان آخرها أن يجتمع أعضاء مجلس الكونجرس الأمريكى قبل الدقيقة الأخيرة من السنة الماضية لمناقشة قوانين تتعلق بتمويل الحكومة الفيدرالية الأمريكية وبدا وكأنه ماراثون للتصويت على الاعتمادات الإضافية قبل بداية العام الجديد.

لذا قلت لصديق إعلامى قرر أن يكون «ناشطاً إعلامياً»: إذا أردت الدقة الإعلامية، فقل: «دستور دُبر على الهواء مباشرة أمام الملايين، بليل بعد مناقشات استمرت خمسة أشهر والنصف، حضرها من أراد وانسحب منها من أراد».

هذه أكثر دقة من قولك: «دبر بليل» ولكنه غالباً لن يعطى لك ما تريد من شعبية زائفة.

علشان كده اللى بيقول أمامى الدستور «إخوانى دبر بليل»، أقول له: «صح، والمفتأة حياة الروح، واللى ما يعرفش يقول عدس».

فى حوار آخر مع صديق ممن انسحبوا من الجمعية التأسيسية، وكنت قد اتفقت معه وآخرين أن نناضل داخل الجمعية التأسيسية إلى آخر يوم ونأتى فى مشهد سياسى مسرحى مهيب فى آخر جلسة، حال لم يوافقوا على مقترحاتنا أو لم يقنعونا بوجهة نظرهم، أن نلقى بياناً نبرئ فيه ساحتنا، ثم ننسحب جميعاً، فتسقط الجمعية، المهم أن صديقى هذا بعد أن اتفقنا على هذا فى عصر أحد أيام الجمعية، وجدته فى نفس الليلة على إحدى الفضائيات يعلن انسحابه من الجمعية، وكأننا ما اتفقنا على شىء، طيب ما هم سيحلون محلك من الاحتياطيين؟ سألته: فكان رده خليهم «يلبسوها».

لم أوافق صديقى على نظريته، واعتبرته يسير على خطى عم محمود بتاع المفتأة: «المفتأة حياة الروح»، والدستور «إخوانى دبر بليل»، و«مش مهم البلد» فى عرفه، «المهم الإخوان يلبسوها».

وختاماً، أنا أؤيد قرار المحكمة بشأن قانون الانتخابات وعلى مجلس الشورى الالتزام به تماماً، لأن الإرادة الشعبية التى جعلتكم تشرعون هى الإرادة الشعبية التى جعلتهم يراقبون.

وغداً نناقش نظرية «أنجر الفتة» التى يحكم بها الإخوانيون بعد ما ناقشنا نظرية المفتأة التى يعارض بها المعارضون.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -