سألنى صديق من القراء المحترمين: كيف تغضب للقبض على مؤسس حركة ٦ أبريل وتسكت عن مسخرة التظاهر بالبرسيم أمام منزل رئيس الجمهورية، وبالملابس الداخلية أمام بيت وزير الداخلية؟

وأزعم أن هذا السؤال كاشف لما وصلت إليه حالة الاستقطاب الحاد فى المجتمع، لدرجة أن بعضا صار أسيرا لمنطق المقايضة بين الحرية والاستقرار سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهذا بحد ذاته تنكر واضح لقيم وأهداف ثورة كل المصريين، التى طلبت الحرية والكرامة والعيش فى حزمة واحدة لا تنفصل واحدة عن أخرى.

وبالمنطق ذاته فإن هذه «المعارضة البيطرية» مرفوضة، وهى تلك المعارضة التى استهلتها شخصية أكاديمية مرموقة محسوبة على الثور بتدشين مرحلة الثغاء أو «المأمأة» الثورية حين اصطحب خروفا إلى الاستوديو فى برنامج يجسد بامتياز التفاهة الثورية فى أحط مستوياتها، ثم تطورت إلى التظاهر بالبرسيم أمام سكن الرئيس فى التجمع الخامس، ثم تلى ذلك عديد من علامات الابتذال الذى أصاب المعارضة فى مقتل.

غير أن رفضك لكل هذه المظاهر لا يصح أن يكون مسوغا لعودة أساليب القمع والملاحقة البوليسية وفق آليات انتقائية فى تطبيق القانون على الجميع، مع التسليم بأن داء الانتقائية أصاب ضمير المعارضة أيضا، فصارت تسكت عن ممارسات أمنية مرفوضة إذا ما كانت ضد من تراه خصما لها حتى لو كان منتسبا للثورة بقدر انتسابها لها (حالة الشاب عبد الرحمن عز نموذجا) بينما تتفانى فى صراخها وتبرع دراميا فى حبك قصص تعرض أصدقاؤها لمواقف صغيرة وتنسج منها حواديت أسطورية.

لقد أخطأت المعارضة المصرية فى حق نفسها حين غضت الطرف عن تسلل خصوم ألداء لهذه الثورة إلى صفوفها، وسكوتها عن اجتراء هؤلاء على التحدث باسم الثورة، وتخطيط مساراتها ووضع جدول أعمالها، وهى فى ذلك تنطلق من وهم سيطر عليها مبكرا بأن الكم أهم من الكيف فى صياغة الغضب وتحريكه، ومن كسل جعلها لا تجد غضاضة فى المطالبة بأشياء كانت ضدها حتى شهور قليلة مضت، فسقطت فى فخ استجداء العسكريين للعودة إلى الحكم عنوة وانقلابا، ودفعها تناقضها وانتهازيتها لأن تصفق وتهتف لـ«العسكر» عندما فهمت خطأ أنهم راغبون فى العودة، ثم عادت لتهتف ضدهم وتتهمهم بالتفريط والتأخون عندما حسموا المسألة وأعلنوا أن لا رغبة ولا تفكير فى الغوص فى أوحال الصراع السياسى المجنون الدائر حاليا.

وبالمنطق نفسه صار «المخلوع» هو «السابق» وتبدلت النظرة إليه ــ بالانتهازية والصفاقة ذاتهما ــ من قاتل وفاسد وبليد فى الحكم إلى حمل وديع ونصير للفقراء وزعيم تهتز عروش وترتعد أنظمة إذا قطب جبينه أو سعل، وتتراقص عواصم العالم فرحا إذا قرر زيارتها.. وكأن هؤلاء نسوا أو تناسوا فضيحة «الفوتوشوب» الشهيرة عندما كان يترنح فى مؤخرة الصورة خلف قادة ورؤساء مستجدين.

إن على القيادات المحترمة فى المعارضة المصرية أن تفكر مليا فيما فعلته بنفسها وبتاريخها، وتراجع أداؤها خلال الفترة الماضية، وكيف هانت على نفسها فاستخفها شخص بهذه الضآلة السياسية مثل الجنرال الهارب الذى لا يتورع عن الإعلان أنهم يخطبون وده لكنه يتمنع، بل ويعطيهم دروسا فى السياسة وفى النضال ويسعى لإزاحتهم.

وأحسب أنه بدلا من الاستسلام للوهم والكسل من الأفضل أن تفكر المعارضة المصرية فى العودة إلى السياسة من أبوابها الحقيقية المعروفة، فتحتشد لمعركة انتخابية قادمة لن يمنع وصولها الاختباء فى مراعى النكت والقفشات السياسية.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -