بيرنزالاهرام
تتزامن الزيارات المكثفة التي يقوم بها المسئولون الأمريكيون خلال الفترة الحالية لمصر مع تحول واضح في الموقف الأمريكي باتجاه دعم المرحلة الانتقالية في مصر، و"إغلاق" ملف 30 يونيو، و"تسهيل" المصالحة الوطنية، وهو ما عبر عنه تصريح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بوضوح في 2 أغسطس 2013، والذي جاء فيه أن تدخل الجيش كان بهدف "استعادة الديمقراطية"، وقد تزامن هذا التصريح مع زيارة وليام بيرنز نائب وزير الخارجية الأمريكي للمرة الثانية لمصر منذ عزل محمد مرسي، ومع طلب الرئيس الأمريكي باراك أوباما من جون ماكين وليندسي جراهام بزيارة مصر خلال هذا الأسبوع، من أجل دعم جهود المصالحة الوطنية.
دوافع الوساطة:
يكشف تعامل الحكومة الانتقالية في مصر، مع الاهتمام الأمريكي بمستقبل جماعة الأخوان المسلمين، عن استثمار الحكومة هذا الاهتمام لممارسة الضغط على الجماعة، من أجل انهاء الأزمة الحالية في مصر، والتي أخذت تكتسب أبعادا أمنية الى جانب طابعها السياسي، فضلا عن سعيها للاستفادة من العلاقات التي طورتها واشنطن مع الجماعة طوال الفترة الماضية، من أجل الضغط عليهم للدخول في حوار سياسي حول المصالحة الوطنية.
ومن الواضح أن واشنطن تقبل هذا التوجه المصري، وهو ما يمكن الاستدلال عليه بمطالبة الرئيس الأمريكي باراك أوباما كلا من جون ماكين، وليندسي جراهام بزيارة مصر من أجل دفع عملية المصالحة، خاصة وأن الإخوان المسلمين احتفظوا بعلاقات جيدة مع جون ماكين، حتى إن الباحث الأمريكي ناثان براون رأى أنه أثناء أزمة المنظمات الأمريكية ساءت علاقة الإخوان مع واشنطن ماعدا مع جون ماكين.
ويمكن تفسير هذا التوجه الأمريكي بعاملين، يتمثل العامل الأول في سعي واشنطن للحفاظ على دور ما تمارسه في مصر بعد الإخوان حفاظا على العلاقات الاستراتيجية مع مصر ومع الجيش المصري، بخاصة بعد حالة الاستياء الشعبي من سياسات أوباما تجاه مصر أثناء حكم مرسي، ومن مواقف السفيرة الأمريكية في مصر آن باترسون، أي أنه محاولة لتحسين الصورة.
ويتمثل العامل الثاني في أن إدارة أوباما أصبحت تواجه مأزقا داخليا حول تبرير سياستها تجاه مصر، خاصة من قبل بعض أعضاء الكونغرس الذين ينتقدون عدم وصف إدارة أوباما ما جرى في مصر على انه انقلاب، ومن ثم ضرورة وقف المساعدات العسكرية التي تقدم لمصر، وبالتالي، يعد دفع المصالحة الوطنية، ودعم تنفيذ خريطة الطريق بما تضمنته من تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية، هو المخرج لإدارة أوباما من هذا المأزق.
وساطة لاتزال متعثرة:
يقوم التصور الأمريكي لعلاج الأزمة في مصر، والذي يتقاطع مع التصور الأوروبي، وتدعمه قطر، التي احتفظت بعلاقات قوية مع جماعة الإخوان خلال الفترة الماضية، على "ضمان" استمرار جماعة الأخوان كقوة سياسية في مصر، دون أن يتم تقنين عملية عزلهم السياسي، بكل ما يعنيه ذلك من تمثيلهم في لجنة الخمسين المعنية بتعديل الدستور، والسماح بمشاركتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعدم الاستهداف السياسي لقيادات الجماعة، أو استخدام العنف في فض الاعتصامات، وذلك في مقابل نبذ الجماعة العنف والمشاركة في المصالحة الوطنية.
ويلاحظ أن التصور المطروح، يتفق مع التوجه المعلن للحكومة الانتقالية، والخاص بتحقيق المصالحة الوطنية والحوار مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث نص بيان مجلس الدفاع الوطني والذي صدر بالتزامن مع هذه الزيارات، أنه يدعم "الوساطة التي تحمي حقوق المواطنين بصرف النظر عن انتماءاتهم، والتي تحقن الدماء، وطالما كانت محددة بوقت".
ولكن يبدو ان المحادثات الخاصة بالوساطة لا تزال متعثرة، وهو ما يبرر تمديد بيرنز زيارته لمصر.
فرغم إعلان طارق الملط أحد أعضاء الوفد الممثل لائتلاف دعم الشرعية الذي التقى بيرنز عن "احترام" الجماعة إرادة الشعب الذي خرج في 30 يونيو، إلا أن الجماعة، لاتزال تطالب بتقديم الحكومة تنازلات قبل انعقاد أي محادثات مباشرة معها، تشمل رفع الحظر عن الأصول المالية للجماعة، والإفراج عن قياداتها، وعودة بث القنوات الفضائية الخاصة بها. وذلك إلى جانب استبعاد الجيش من أي حوار مباشر بين الإخوان والحكومة، وذلك برغم كونه فاعلا مؤثرا لا يمكن إغفال دوره في المرحلة الحالية.
إلى جانب ذلك، لا تزال الجماعة متمسكة بأن أي حل يستند الى دستور 2012، وإلى فكرة "تفويض" مرسي صلاحياته لمن ينوب عنه، وهي شروط نصت عليها مبادرة الدكتور العوا، ومبادرة رئيس الوزراء السابق هشام قنديل، وهذا يعني فرض جماعة الأخوان أجندة الحوار دون تقديمها تنازلات محددة للحكومة المصرية، سواء فيما يتعلق باعتصام رابعة العدوية أو النهضة، أو فيما يتعلق بتراجعها عن استراتيجية التصعيد في الشارع والتي اكتسبت طابعا عنيفا.
وفي ضوء ما سبق، قد لا تسفر الجهود الأمريكية الحالية، والمدعومة من قطر والاتحاد الأوروبي، عن "مبادرة" وساطة واضحة المعالم، بخاصة في ظل تمسك الإخوان المسلمين بمواقفهم، وهو ما قد يستدعي جولة جديدة من الجهود قد تستأنف مع زيارة مكين لمصر.
0 التعليقات:
Post a Comment