بعد مجازر عدة ارتكبها الانقلاب العسكرى من دون أدنى تبريرات وفى ظل إدانات حقوقية ودولية فإن الأمر فى النهاية يوضح خيبة الانقلاب الكبرى حينما يواجه الاعتصامات والاحتجاجات بالرصاص ومجموعة من البلطجية صارت للأسف الشديد ضمن دولاب الدولة توظف فى سياق هذا الصراع والتدافع السياسى وضمن هذا الاقتراب الأمنى القديم الجديد.

يبدو هذا الدور الخائب فى تلك النخبة المستدعاة أو التى تطوعت لتنادى على العسكر يوم الثلاثين من يونيو تحاول أن تؤكد من خلال بيان أسمته «بيان إلى الأمة» بدعوة من وزير أسبق ليعبروا بذلك عن استدعاء خائب للعسكر حتى يحكموا ويتحكموا فى ضوء هذا البيان الذى أصدروه على عجل ليقوم بوظيفة بعينها فى ظل هذا الاستدعاء، ومبلغ تحفظى على هذا البيان وهذه الحركة ليست من قبيل استدعاء العسكر للمثقفين فهذا لا يهم.

بل أخطر من ذلك هو استدعاء مجموعة من المثقفين للعسكر، ذلك أن خطورة هذا الأمر إنما ينبع فى اختيار فريق يتحدث ليل نهار عن الليبرالية وحقوق الإنسان ويتحدث عن مسارات الديمقراطية وآلياتها، إذ به يتحول ليتحدث عن طريق الوصول إلى الحكم عن طريق انقلابات عسكرية وليست انتخابات، تحت دعوى أن ذلك هو طلب الإرادة الشعبية وفى محاولة استخدام وتوظيف

وجعل هذا المفهوم غطاء لتدخل عسكرى، ومبلغ علمى أن هؤلاء المثقفين اجتمعوا مع بعض من يحسبون على قيادات أمن الدولة السابقة ومع أطراف مختلفة فى محاولة للترويج والدعاية واستدعاء واستعداء العسكر، إن هذا هو بيت القصيد فى نخبة سياسية وثقافية خائبة لم تعد تعرف إلا معانى الديمقراطية المدرعة، والليبرالية المجنزرة وحكم البيادة.

●●●

أما المشهد الثانى فإنما يتمثل فى النخبة الاستئصالية التى نتجت عن خطاب مستمر لصناعة الكراهية صارت تستأسد وتزهو وتستقوى بالعسكر لتعبر عن مرحلة جديدة، هكذا يقولون، وهى تعبر عن حقيقة كبرى لا تتعرف على قواعد تماسك الجماعة الوطنية وتنوع فئاتها وقوانين جامعيتها، فهى تراها الفرصة الكبرى لاستئصال ما أسمته الإسلام السياسى من خريطة المجتمع وطمس كل ما يتعلق بهذا الفصيل بل والتشويه المتعمد له الذى ينتقل من الإخوان إلى التيار الإسلامى «حزب النور» ،إلى المشروع الإسلامى «المادة الثانية فى الدستور»، فى التأكيد على أنه آن الآوان ألا نستند إلى أن «هذا الشعب المصرى متدين بالفطرة».

فإن حقيقة هذا الشعب أنه «علمانى بالفطرة»، هكذا قال من قال ليؤكد ويستحضر ويستدعى تفجيرات فى المجتمع فى إطار استدعاء خطاب التقاتل على الهوية، ولا استنطق أحدا حينما نؤكد أن من قال ذلك قد قرر أننا يجب ألا ننظر برؤية رومانسية فالديمقراطية لا تأتى إلا بدماء والدماء لا بد وأن تسفك.

إنه تبرير وغطاء لكل ما يتعلق بهذا الشأن الذى يستكمل هذه الصورة حينما يطالب العسكر بتفويض فى مواجهة ما أسماه الارهاب والعنف وتحت هذه العناوين والتى تعتبر هذه الاعتصامات ليست إلا تهديدا للأمن القومى وعلى تفويضات أخرى من رحم هذا التفويض للقتل لوزارة الداخلية فى فض الاعتصامات، فإن ذلك كله إنما يدور فى ظل عمل لا يمكن أن يوصف إلا بأنه تفويض فى دماء، نقول وبأعلى صوت «أنه لا تفويض فى دماء» لأن الدماء تقع فى باب الحرمات لا باب الرخص والترخص، إنه واحد من المشاهد الخائبة التى تقوم بها النخبة الاستئصالية التى تتسم فى خطابها بالزهو وصناعة الكراهية والاستقواء بقوة العسكر.

●●●

وهذا مشهد ثالث فى منظومة الانقلاب الخائب وهو الإعلام الخائب الذى يطبل ويزمر فى مواقف مسبقة تخرج على كل أصول المهنية والكفاءة، هل شاهدت ذلك المذيع على إحدى القنوات وهو يفتخر بالحشود فى ضيافة واحد من هؤلاء الذين يسمون بالتيار المدنى، وتبادل الاثنان خطاب الزهو بهذه الحشود لأنها تبارك انقلابهم العسكرى، فإذا بمن غرفة الكنترول والتحكم يهمس فى سماعته (دول بتوعهم) فيقول المذيع مذهولا مبهوتا «بتوعهم ؟!!.. لكن التحرير ما شاء الله يفتح النفس»، يفتح النفس فى صيام رمضان!، أليس ذلك إعلاما خائبا يخرج على حدود المهنية ويتخذ المواقف المسبقة.

أما المشهد الرابع فإنما يتعلق بتساهل مريب وبتعتيم عجيب على الرئيس محمد مرسى المختطف، فى ظل موقف خائب يختطف فيه الرئيس لا يعرف له مكان ويحقق معه وليس له من محامٍ أو أى من هؤلاء الذين يمكن أن يزوروه ويتعرفوا على حاله، فقط مسموح للأجانب بزيارته تحت ضغوط، ولكنها حقوق الإنسان التى تداس بجنازير الدبابات وبيادات العسكر، ماذا تخافون من رجل أعزل؟، أتخافون ضعفه، أم تخافون شرعيته وحقه؟

المشهد الخامس مشهد وزير الداخلية الذى كان يزهو بين تحريض صحفيين مرتب له، وتضاحكه معهم بعد مجزرة المنصة وبعد إراقة الدماء من دون أى تنويه من ذلك الإعلام الذى يمثل الشيطان الأخرس الساكت عن الحق والساكت عن إراقة الدماء وإطلاق الرصاص.

●●●

المشهد السادس والأخير يتعلق بضرورة ألا يقتصر الأمر على حملة علاقات عامة لكن يجب أن تكون هناك أفعال وقرارات لا أقوال، بحيث لا تراق دماء، ولا تزهق نفوس، ونحن نتأمل فى أناس من أمثال الدكتور محمد البرادعى والدكتور زيادة بهاء الدين اللذين يؤكدان دائما على الليبرالية وحرية التعبير وعلى حماية حقوق الإنسان الأساسية أن يقوما بدورهما فى منع إراقة دماء وسقوط شهداء.

أرجوكم قفوا عند هذه المشاهد لتعرفوا خيبة الانقلاب الكبرى التى حلت بمصر ومستقبل ثورتها.

1 التعليقات:

  1. المشكله ان الليبرالى طلع كداب والاعلامى كداب وجابوا معهاهم عسكرى سرق لهم السلطه لعل وعسى يحصلوا منها حاجه

    ReplyDelete

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -