1 : 6
يتردد السؤال الحائر المتحشرج في الصدور والغصّة في الحلوق: لماذا تضرب أمريكا وحلفاؤها سوريا الآن؟ وهل الموضوع سببه المصالح الخاصة للغرب، أم المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية؟
وسوف أجيب عن هذا السؤال بلغتين ديانة وسياسة: لغة الديانة لتقنع المؤمنين بالقرآن تأسيسًا، ولغة السياسة لمن تغريهم وتقنعهم الوقائع والأرقام، وإن كانت هذه اللغة مفيدة للمؤمنين ترسيخا لا تأسيسا؛ وفق قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم لما طلب: (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْلِيَطْمَئِنَّقَلْبِي)(البقرة: من الآية 260).
أولا: لغة الديانة لأصحاب الإيمان بالوحي الرباني:
سوف أورد هنا نصوصا قطعية الدلالة والثبوت معا مما لا يختلف في فهمها اثنان ولا تنتطح فيها عنزان، حول تصور قرارات غير المسلمين عامة نحو المسلمين إلا استثناءات تذكر في موضع آخر.
من هذه النصوص ما يلي:
1. قوله تعالى (مَايَوَدُّالَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة:105)، وقد جاءت الصيغة حصرية بأدقّ وأحكم عبارات اللغة العربية، وهي ما يسميها الأصوليون "النكرة في سياق النفي تُعمّ"، بمعني أنّ كلمة "خير" نكرة مسبوقة بالنفي في أول الآية بكلمة "ما" وزادت كل عناصر التوكيد بالحرف "من " يعني لا يتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين جنس الخير مهما قل للمسلمين.
2ـ قوله تعالى (وَلَايَزَالُونَيُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)(البقرة: من الآية217)، أيضا جاءت كلمة "لا يزالون" لتدل على الاستمرار مع أنه من الأفعال النادرة التي تفيدالاستمرار حتى لو جاء في الماضي "لا زال" فأورده الله تعالى بالمضارعالمفيد قطعا الاستمرار في الماضي والحاضر والمستقبل، وهذا الإصرار جماعي وليس فرديا، ويقاتلونكم وليس فقط يفتنونكم، أو يجهدونكم أو يضايقونكم، بل هو القتال بكل ما تعنيه كلمة الله تعالى، والغاية والمقصد الواضح الجلي هو"حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا" واستطاعوا تفيد بذل أقصى ما لديهممن قوة ليردونا عن ديننا، فالحرب هنا قطعية على المسلمين لإسلامهم.
3. قوله تعالى (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَايَرْقُبُوافِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ)(التوبة:8)، وهنا بشكل قطعي يبين ربنا أن المشركين جميعا ومنهم أهل الكتاب إذا تغلبوا وصارت لهم الدولة والجولة، والريادة والقيادة، والسطوة والقوة، لن يراعوا فيكم عهدا ولا ميثاقا، ولا خلقًا ولا رحمة، ولا عطفًا ولا شفقة، بل يحذرنا الله من معسول الكلام منهم، فننخدع بهم كما يحدث من غالبية أمتنا عندما تدعُ القرآن وراءها ظاهريا، لكن هؤلاء لو حاولوا إرضاءنا بكلمات ووعود فإن الله تعالى علام الغيوب يخبرنا أن قلوبهم تأبي أن تميل إلينا، إباءً لا يستطيعون تحويل قلوبهم نحونا كمسلمين.
4. قوله تعالى ( يُرِيدُونَ أَنْيُطْفِئُوانُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة:32)، يخبرنا الله هنا في سورة التوبة أنهم "يريدون" بالفعل المضارع الذي يفيد بدلالة قطعية الاستمرار أن يطفئوا نور الله وهو الإسلام، فالحرب هنا واضحة على الإسلام نفسه، وهنا نجد أن التعبير يدل على فعل مضاد للإسلام للإجهاز عليه، إطفاء كاملا، ويتكرر المعنى نفسه في سورة الصف في قوله تعالى:(يُرِيدُونَلِيُطْفِئُوانُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8)، والفرق أن آية الصف أضافت إلى الفعل الحادث في الحال لإطفاء نور الله في سورة التوبة بأن هناك مخططا إضافيا للمستقبل للقضاء على الإسلام، يتضح ذلك من لام الغائية والمقاصدية في الكلمة "ليطفئوا"، وبجمعهما نتيقن في كل لحظة أن هناك فعلا منهم الآن لإطفاء نور الله، كما أن هناك مخططا مستقبليا لذلكلكن الله طمأننا أنه فعل أهوج لن يصل لقصده حيث يستحيل إطفاء نور الله بالأفواه، والوعد قطعي أن الله سيحفظ دينه بقوله تعالى: (وَيَأْبَىاللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) (التوبة: من الآية32) في التوبة، (وَاللَّهُمُتِمُّنُورِهِ) (الصف: من الآية8) في الصف بما يطمئن الوَجِلين على هذا الدين.
5. قوله تعالى (وَلَنْتَرْضَىعَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)(البقرة:120)، وهنا تتضح أهداف ومقاصد الحرب منهم بما لايدع للشك مجالا إلا لدى من لا يصدقون كلام الله تعالى كفرا وعنادا، حيث يبين الله تعالى أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا بأية تنازلات إلا برٍدَّتنا عن ديننا لو تمكّنوا من ذلك، فلو خضعت لهم كل رقابنا، ومنحناهم كل ثرواتنا وأرضنا، بل لو سلمناهم أطفالنا ونساءنا – لاقدر الله – فلن يرضوا إلا بشيء واحد هو الارتداد عن الإسلام العظيم.
6. والحق أن النصوص كثيرة وغفيرة لكني أردت أن أورد غيضا من فيض، ويكفي لصاحب الإيمان بالله ربًا، وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا أن تتلُوَ له آية واحدة ليقول بملء القلب واللسان: "سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " (البقرة: 285).
فإن قيل أينفي هذا ما ورد بسورة الممتحنة ( لَايَنْهَاكُمُاللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، أن منهم من لم يقاتلونا ولم يخرجونا من ديارنا، فأقول: إن الله تعالى عبَّر بالحرف " لم " وليس " لن " كما عبر مراراعن استمرارقتالهم حتى يردونا عن ديننا، وعدم الرضا إلا بالردة عن ديننا، وهنا نجمع بين النصين بأن من رضخ وتابع النظام العام ولم يقاتل لعدم القدرة أو الخوف من قوة المسلمين فهؤلاء يجب لهم البر في أعلى الدرجات، والقسط في الحد الأدنى ، وهو إغراء لهم أن يعيشوا بين المسلمين دون مؤامرات فينالون من المسلمين البر والعدل.
ومن صفات اليهود في السنة النبوية المكر والخداع وسوء الأدب والكذب والحقد والكراهية والغرور والتكبر، وغير ذلك من صفات يمكن مراجعتها بأدلتها في كتاب ( اليهود في السنة المطهرة) للدكتور/ عبدالله بن ناصر بن محمد الشقاري، ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما بالسند إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعليك", فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تدرون ما يقول"؟ قال: "السام عليك", قالوا يا رسول الله, ألا نقتله؟ قال: "لا". قال: "إذا سلم عليكم أهل الكتاب, فقولوا: وعليكم".
إذن النصوص الشرعية من قرآن وسنة صحيحة قد تضافرت على أن المشركين لو حكموا وتغلبوا لن يرقبوا فينا إلا ولا ذمة ولا عهدا ولا ميثاقا.
فهل يظن مسلم مؤمن بما أنزل الله من كتاب محكم وسنة صحيحة أن أمريكا وحلفاءها جاؤوا من أجل عيون الشعب السوري المنكوب من جزار الأسد؟
ياقوم بقية من عقل أودين!
------
2 : 6
و أُقدِّم هنا مدخلا سريعا مفاده أن د.محمد مرسي رئيس جمهورية مصر حدثني في لقاء أوائلَ يونيو 2013م أنه رفض 3 مرات طلب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ضرب أمريكا لسوريا؛ لأنه توقع ضرب الجيش والشعب السوري معا دون المساس ببشار ونظامه، وذلك خشية نجاح المقاومة، فيسيطرون على السلاح السوري، ويتحقق الخطر على بني صهيون، ونكون قد هدمنا الجيش السوري القوي، وأنهكنا الشعب السوري، ولم نحقق مصلحة لسوريا ولا الأمة العربية بل المصلحة العليا لإسرائيل فقط، وهذه أهم مصلحة للغرب كله.
أما الجوانب التي تؤكد أن ضرب سوريا الآن هي مصالح لهم لا مبادئ وقيم الإنسانية فمنها ما يلي:
1. منذ سنتين ونصف قتل جزار الأسد وشبيحته في سوريا فوق ال200ألف، وليس كما يعلن 100ألف، وجَرح قرابة المليون، وشَرَّد خارج سوريا ثلاثة ملايين، وشرَّد في الداخل سبعة ملايين، وحطم جزار الأسد كل مقومات البلد فلماذا الآن برز الملف السوري على السطح؟! هل لأجل المبادئ أم المصالح؟!
2. إن حوادث القتل بالكيماوي حدثت بسوريا من قبل 63 مرة، وهي - رغم بشاعتها - أكثر رحمة للفريسة من القتل بالمنشار الكهربائى، كما رأينا مرارا، والأكثر بشاعة هو هتك عرض البنت والزوجة والأم والأخت أمام الآباء والأبناء والأزواج والإخوة، وبعد هتك العرض تقتل الفريسة وأهلها بعد تناوب الأعداد الغفيرة على المسكينة التي لم تجد عربيا شهما في النظام العربي أو الإسلامي أو الإنساني ينقذها، وكل حالة قتلت لها قصة ليست فقط مؤلمة بل مهينة للكيان الإنساني، وكلنا رأى وسمع عن سلخ الجلود وقطع الأعضاء التناسلية للرجال، وفصل الرؤوس عن الأجساد ذبحا مرة بالسكين وأخرى بالمنشار
وقد زرت - مع وفد من رابطة علماء أهل السنة - اللاجئين السوريين بالأردن في مخيم بالرمثة على الحدود مع سوريا من ناحية درعا، فقال أحد اللاجئين: قتلوا ولدي أمامي بالرصاص لأنه فقط هتف بعد صلاة الجمعة مع الكثير مستعدين للخروج سلميا بعد الصلاة، ودفنتُ ولدي، وفي الجمعة التالية خرج ولدي الثاني بعد الصلاة مع الشباب، وأمسكه شبيحة الأسد وذبحوه بالسكين أمامي كالنعاج، وقالوا نحن تكرَّمنا عليك الأسبوع الماضي فسلّمناك جثة أخيه لكنا اليوم لن نعطيك الجثة بل سنأخذه لنقطعه إربًا ونرميه في القمامة؛ لتكونوا عبرة لغيركم.
لكن الشعب السوري الأبي تحدى أهل العار والشنار والمنشار وضرب الكيماوي والنار وأكمل المشوار، ولو ذكرت شواهد محدودة فلا يكفيني سِفر كامل لهذه المخازي الرهيبة التي قام بها جزار الأسد، مما يوجب - من الأيام الأولى - تحركًا عمليًا حربيًا للجامعة والجيوش العربية، والأحلاف العسكرية وهيئة الأمم لو كانت لها مبادئ عربية أو إسلامية أو حتى إنسانية.
3. يجب أن يكون ردع الظالم مع أول استغاثة كما كان العرب في الجاهلية يدينون بقول الشاعر قريط بن أنيف:
قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم قاموا إليه زرافات ووحدانا
لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا
والأمر يشبه في إغاثة الملهوف ونجدة الضعيف مثل المصاب في حادث يحتاج إلى طبيب لوقف النزيف المنهمر فورًا، فليس من المعقول أن يترك الطبيبُ المصابَ ينزف حتى يموت ثم يأتي الطبيب ليكتب شهادة الوفاة، أو قبل الموت ليكون مشلولا مدى الحياة!!!
والسؤال الهام جدا لماذا فجأة انتفض الأطباء النبلاء في أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأحلاف لضرب سوريا؟
هل هذا شهامة لإنقاذ الغلابة المستضعفين في سوريا؟ فلماذا كانت الشهامة في إجازة طوال سنتين ونصف؟!!! فلو كانت المسألة متعلقة بالمبادئ لدى أمريكا أو بريطانيا والحلفاء أو ما يسمى بالمجتمع الدولي لتحرك ضمير العالم منذ صرخات الأطفال والنساء والشباب والعجزة منذ شهر مارس 2011م لكن أصحاب المبادئ والقيم لا يصابون بحالة من تخدير الوعي الأخلاقي، ثم تحدث لهم إفاقة مفاجئة فينتصرون للغلابة، ربما جاءوا – في زعمهم – لكتابة شهادة الوفاة للثورة السورية بكل نبوغها وتضحياتها.
4- هل الكارثة في القتل بالكيماوي أنه كبير عدديا هذه المرة؟ والجواب لا يمكن طبعا، لأن هناك أياما سوداء وليالي ظلماء قُتل فيها أكثر من ألف وخمسمائة، وأقسم لي أحد العلماء السوريين فقال: والله، لقد كانوا يقولون في القنوات قُتل في قريتنا خمسون، وبيدي مع جيراني دفنَّا في اليوم نفسه ثلاثمائة، ودفنّا بعض الشهداء في أماكنهم لأن الشبيحة كانوا يتربّصون بنا، وما الفرق بين أن تقتل ألفا دفعة واحدة أو على ثلاثة أيام متفرقة؟! العرب تقول: تعددت الأسباب والموت واحد.
5- هل يئست الجامعة العربية من تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك منذ بدئها، ومنظمة التعاون الإسلامي منذ تأسيسها، والأنطمة العربية من الحلول السياسية أو العسكرية في سوريا فقدمت شكوى لمجلس الأمن وهيئة الأمم فسارعوا لنجدة أهلنا المظلومين في سوريا؟ طبعا لا، فأمريكا وحلفاؤها هذه المرة لا تنتظر قرار هيئة الأمم ولا مجلس الأمن والبند السابع ولا العاشر، وإنما الأمر يبدو من خلال تحليلي القادم هو خطة أمريكية لأجل مصالحها مع الصهاينة لا الغلابة في سوريا.
6- هل يفترق الإنسان في مصر عن سوريا؟! وفيهما عن فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو بورما أو السودان أو الصومال أو .... ؟! فلماذا لم يتحرك المجتمع الدولي وأمريكا وحلفاؤها نحو ردع الانقلابيين بمصر الذين قتلوا في الأسبوع نفسه على الأقل 5000 وأصيب 15000 بطريقة بشعة جدا فيها قتل وحرق للجثث وتجريف لها ضمن القمامة، و.... ؟! ولماذا لم يتحرك هذا الضمير المخدر إلى اليوم، مع أن الأعداد أكثر وطريقة القتل أبشع، فما الفرق بين قتلى مصر وسوريا عند أصحاب المبادئ الإنسانية؟!!!
0 التعليقات:
Post a Comment