في 24 أغسطس الماضي، رفضت محكمة القضاء الإداري دعوى غلق وحجب المواقع الإباحية على شبكة الإنترنت التي اختصمت الرئيس المعزول محمد مرسي، وهو القرار الذي إن وضع نهاية لتلك الدعوى، إلا إن الجدل سيظل قائمًا بين مؤيدي حجب تلك المواقع للحفاظ على تقاليد المجتمع المصرى، ومعارضي ذلك نظرًا لسهولة التحايل عليه من خلال برامج معروفة لفك الشفرات، فضلاً عن تعدد وسائل التعرض للمضمون الإباحي والتي تجعل من المستحيل منع أي فرد نهائيًا من التعرض لها، إلا بوازع شخصي منه.
تعريف ظاهرة الإباحة الإلكترونية:
بدأت في السنوات الأخيرة بروز ظاهرة ما يسمى بـ"الإباحية الإلكترونية" Pornography Website عبر شبكة الإنترنت، والتى يتم من خلالها تبادل الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو المخلة بحرية تامة، وتعرف بريطانيا صناعة الإباحية الإلكترونية Internet pornography industry بأنها "أي مواقع مرتبطة بالبالغين، وتكون متاحة لأي شخص على شبكة الإنترنت أو عبر الهواتف النقالة Mobile Phone، وتوزع تلك المواد من خلال مساعدة الشركات والأعمال التجارية".
ومن الناحية الواقعية، بات الاستثمار في مجال الجنس الإلكتروني غاية الكثيرين الساعين للتربح حول العالم، فقد خلصت إحدى الدراسات الرامية إلى إحصاء تلك المواقع ومعرفة مدى تطورها إلى مجموعة من النتائج من بينها أن عدد المواقع الإباحية ازداد خلال خمسة أعوام فقط بمعدل 1800%، حيث وصل عددها إلى نحو 260 مليون صفحة عام 2003، وأن كل ثلاثة من عشرة أشخاص في البلدان العربية يتصفحون هذه المواقع من حين لآخر.
وتشير التقديرات إلى أن الاستثمار فى صناعة المحتوى الإباحي يحقق أرباحًا تتخطى أرباح العديد من القنوات الفضائية الكبرى، بل إن المحتويات الإباحية تعد ثالث أكبر قطاع من فطاعات المبيعات الإلكترونية المختلفة؛ حيث يدر أرباحًا تقدر بـ 100 مليون دولار سنويًا، تمثل 12% من أرباح جميع المواقع الإكترونية في العالم. وتقوم بعض المواقع الإباحية بالترويج لمحتواها من خلال التخفى وراء أسماء تجارية ترفيهية كبرى مثل: Disney و Barbie .
التعامل مع المواقع الإباحية.. خبرات غربية:
من الناحية الاقتصادية والتقنية، أكد العديد من الخبراء ومنهم الدكتور إبراهيم العيسوى مستشار معهد التخطيط القومي أن تكلفة حجب تلك المواقع باهظة، حيث تبلغ ما يقرب من نحو 10 مليارات دولار، لما يتطلبه ذلك من استخدام سيرفرات كبيرة الحجم باهظة التكلفة لفلترتها، في حين قدرها آخرون تكلفة ذلك بنحو 50 مليون دولار، فيما قال خبراء تقنيون باستحالة حجب تلك المواقع بشكل كامل ودقيق، حيث أن أنظمة بروكسي المخصصة لعملية الحجب تؤثر على سرعة أداء شبكة الإنترنت بشكل عام، بالإضافة إلى وجود العديد من البرامج والتقنيات المجانية التي تعمل على فك الحجب، وكسر البروكسي.
وفى الدول الغربية لجأت بعض الحكومات إلى توظيف منظومة متكاملة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية والرقابية للحد من التأثيرات السلبية لتصفح المواقع الإباحية، ليس من منطلق تقييد حرية الأفراد البالغين في التعرض لما يشاءون من محتوى، وإنما للحد من المخاطر الاجتماعية لهذا النوع من المحتوى بمنع تعرض الأطفال لها، ومنع استخدامها في ارتكاب الجرائم كالاستغلال الجنسي للأطفال، وفقما توضح دراسة أجرتها الباحثة بجامعة القاهرة دينا عمر فرحان.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، تم اتخاذ عدة إجراءات تنفيذية وتشريعية، منها: إصدار قانون منع المواد الإباحية المتعلقة بالأطفال عام 1996 Child Pornography Prevention Act (CPPA) ، وإصدار قانون حماية الطفل من الإنترنت Children's Internet Protection Act (CIPA) الذى يلزم المدارس والمكتبات باستخدام تكنولوجيا إعاقة المحتوى الإباحي لحماية المراهقين من المواد التي تتسم بالفسق، إلى جانب إنشاء شرطة خاصة بالإنترنت لحماية وخدمة مجتمع تكنولوجيا المعلومات، والقيام بخدمات التتبع والتحري والتسجيل وفض المنازعات بالجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت، وتوفير خط ساخن Cyber Tip line للإبلاغ عن أي جريمة متعلقة بالاستغلال الجنسي للأطفال على شبكة الإنترنت بالتنسيق مع مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية ومصلحة الجمارك ووزارة البريد.
أما في بريطانيا التى تعد واحدة من أكثر الدول الغربية تفضيلاً لعدم تدخل الدولة كطرف ثالث في عملية تنظيم شبكة الإنترنت، وتشجيعًا لآلية التنظيم الذاتي من جانب مقدمي الخدمة أو مستخدميها، فقد وضعت حكومتها في سبتمبر 1996 خطة الشبكة الآمنة R3 Safety-Net لفلترة وتصنيف المحتوى وتشجيع التنظيم الذاتي لمزودي خدمة الإنترنت، إلى جانب توفير خط ساخن لاستقبال الشكاوى عن المواد الإباحية التي تصل إلى العامة لتحول هذه الشكاوى مباشرة إلى مقدمي الخدمة والهيئات المعنية الأخرى، هذا بالإضافة إلى فرض عقوبة تصل إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات توجه لمن يمتلك بحوزته مواد إباحية مفرطة أو تتسم بالسلوك العنيف، باعتبارها مواد غير قانونية.
وفى ألمانيا وجه المدعي العام الألماني في سبتمبر 1996 تعليمات للشركات المزودة لخدمة الإنترنت للبدء باتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع الوصول للمحتويات المحظورة بألمانيا، وأغلقت شركة كمبيوسرفCompuServe أكثر من 200 موقع من مواقع الدردشة حول القضايا الجنسية وتلك التي تعرض صورًا ومحتويات إباحية. وتم تشريع قانون German Criminal Code (STGB) والمعدل لعام 1996 الذى يحظر التعامل مع المحتويات المتعلقة بإباحية الطفل، ووقعت الحكومة الألمانية في إبريل 2009 على مشروع قانون يقضي بمنع الصفحات التي تعرض صورًا وأفلامًا إباحية للأطفال على الإنترنت، ويلزم هذا القانون جميع شركات الإنترنت في ألمانيا بتصعيب فتح المواقع الإباحية للحد من آثارها السيئة على المجتمع.
مركز المصري للدراسات والمعلومات.
0 التعليقات:
Post a Comment