فى اطار عدم وجود رقم رسمى لعدد المعتقلين يذكر بعض الحقوقيين أن عددهم يدور حول الثمانية آلاف معتقل ، ويشير آخرون الى أرقام أكبر خاصة أن الاعتقال لم يتوقف ، فمع استمرار التظاهرات يزداد عدد المعتقلين فى كثير من المحافظات .
* * * وهكذا فان اعتقال الآلاف يعنى خسارة المجتمع لقيمة أعمالهم وانتاجهم ، فى جميع المجالات الصناعية والحرفية والتجارية والزراعية والخدمية ، وكذلك زيادة معدلات البطالة نتيجة اغلاق بعض المنشآت فى ظل كون بعضهم أصحاب أعمال يقومون بتشغيل آخرين لديهم ، أو حتى نتيجة التعطل الجزئى لبعض تلك المنشآت ، ويضاف الى هؤلاء الذين يخشون من الاعتقال العشوائى ويعيشون بعيدا عن بيوتهم فى أماكن غير معروفة .
ومن ناحية أخرى تتأثر أسر المعتقلين من خلال خسارة دخول أرباب الأسر ، مما يعنى تدهور المستوى المعيشى والاجتماعى والصحى لتلك الأسر ، وعلى الجانب الآخر تتحمل تلك الأسر تكلفة التواصل مع المعتقلين ، من مواصلات وأطعمة وملابس وأدوية ونفقات محامين واكراميات ، وتكلفة الأثر النفسى والصحى نتيجة فقدان العائل للأسرة .
وتتحمل الحكومة تكلفة اضافية لنقل المعتقلين وحراستهم واعاشتهم وتدبير أماكن اضافية لهم بعد تزايد أعدادهم ، وهى تكلفة يتحملها دافعوا الضرائب ، وستكون لها الأولوية على حساب انفاق آخر كان من المفترض أن يتجه للمرافق أو الخدمات العامة الصحية أو التعليمية .
كما ستتحمل الحكومة تكلفة تدهور سمعتها ومصداقيتها دوليا بسبب تلك الاعتقالات ، وهو ما سينعكس على زيادة تكلفة الاقتراض الخارجى بسبب زيادة المخاطر ، وكذلك زيادة تكلفة الواردات سواء نتيجة تراجع سعر صرف الجنيه تجاه العملات الأجنبية أو نتيجة زيادة تكلفة التأمين على الواردات ، وتراجع معدلات السياحة الخارجية والاستثمارات الخارجية .
• وتتكرر الصورة مع التكلفة المجتمعية للمصابين الذين تدور الأرقام المتداولة عنهم ما بين الخمسة عشر ألفا والعشرين ألف مصاب ، بسبب التعطل الجزئى أو الكلى لأعمالهم ، وتكلفة العلاج لهؤلاء من جراحات وأدوية ، والتأثر السلبى اقتصاديا واجتماعيا لأسرهم ، والأثر النفسى لديهم ولدى أسرهم وأقاربهم وجيرانهم وأصدقائهم .
• وتزيد الصورة ضراوة نتيجة الخسارة المجتمعية للشهداء ، الذين تتحدث أرقام عن بلوغ عددهم حوالى خمسة آلاف شهيد ، من شرائح اجتماعية واقتصادية ومن محافظات متنوعة ، حين خسر المجتمع طاقات هؤلاء الانتاجية والخدمية ، كما خسر تكلفة تعليمهم وتدريبهم حتى وصلوا الى المراكز التى وصلوا اليها .
وبالطبع فان الخسارة المادية والمعنوية لأسرهم أشد وأنكى ، والأثر النفسى حين لا يجدون حتى كلمة حانية من الجهات الرسمية التى تنظر إليهم نظرة شك وريبة ، ولا تتورع أن تعتقل شخصا آخر من نفس الأسرة قد يكون هو العائل الوحيد لها ، مما دفع البعض للعمل بالخارج ليخسر المجتمع الاقتصادى كفاءات اضافية .
• وهكذا تتعدد صور التكلفة المجتمعية للاعتقالات والاصابات وعمليات القتل والحرق ، التى قامت بها جهات الشرطة أو الجيش أو قام بها البلطجية فى حماية الشرطة ، فعلى سبيل المثال فمن الصعب نفسيا واقتصاديا على أسر هؤلاء وأقاربهم بالداخل والخارج أن يفكروا فى الاصطياف والنتيجة تراجع حاد للسياحة الداخلية ، وقل نفس الأثر على شراء شقة جديدة أو سيارة جديدة ونحو ذلك .
• وعندما يتم تدمير محلات المعارضين للانقلاب العسكرى فمن الطبيعى أن تتأثر معدلات الاستثمار الداخلى ، سواء لدى هؤلاء أو لدى غيرهم خشية الاشاعات والوشايات للبلطجية ، ولقد كان لهؤلاء نشاط تصدير واستيراد تم وقفه مما يؤثر على النشاط التجارى وكمية السلع المعروضة وبالتالى نقص المعروض وزيادة الأسعار .
• عامل آخر خطير يتمثل فى زيادة أزمة الثقة بين أسر وأهالى المعتقلين والمصابين والشهداء من جانب والداخلية والحكومة من جانب آخر ، ومن هنا كانت الدعوة لأقاربهم بالخارج لتقليل التحويلات ، والتى تعبر الرافد الأكبر لموارد ميزان المدفوعات ، بل وأكبر من كل مساعدات دول الخليج لمصر ، وتمثل أربعة أضعاف قرض صندوق النقد الدولى الذى نسعى اليه .
وخطورة أزمة الثقة أنه لا يمكن التكهن بامتدادات آثارها السلبية ، فى ظل دعوة البعض الى العصيان المدنى ، حيث دعا البعض الى سحب الودائع من البنوك ، وهو أمر خطير فى ضوء كون الودائع العائلية تمثل الرافد الأكبر للودائع المصرفية والتى تمكن البنوك من اقراض الشركات كما تمكنها من اقراض الحكومة . ، كذلك دعوة البعض لعدم دفع فواتير الكهرباء فى ظل اعتماد قطاع الكهرباء على التمويل الذاتى لاستثماراته .
* * * والخطير أيضا هو أن النشاط الاقتصادى يعتمد أساسا على الثقة بالمستقبل ، فاذا كان لدى الأفراد ثقة بالمستقبل ، اتجهوا الى استهلاك السلع ، مما يعنى زيادة مبيعات الشركات وتمكنها من الاحتفاظ بما لديها من عمالة .
واذا كانت هناك ثقة بالمستقبل لدى المنشآت الاقتصادية القائمة ، فإنها سوف تستمر فى النشاط ، ويمكن أن تفكر فى التوسع فى النشاط بما يزيد من كمية المنتجات والسلع بالسوق ومن فرص العمل ، كما أن توافر تلك الثقة بالمستقبل يحفز آخرين على دخول النشاط الاقتصادى ، من خلال انشاء مشروعات جديدة .
أما فى حالة عدم الثقة بالمستقبل والتى يدعمها جو الاعتقالات العشوائية ، فان المشروعات القائمة تتجه للخروج من السوق سواء جزئيا أو كليا ، ولن تفكر المشروعات القائمة بالطبع فى التوسع فى النشاط ، وبالتالى لن يقترب أحد من افتتاح أنشطة جديدة سواء من الداخل أو من الخارج .
وهكذا لا يجب الاستهانة بالتكلفة الاقتصادية والاجتماعية التى يتسبب فيها جو الاعتقالات العشوائية والتهديد بالمزيد منها ، والتشوية الاعلامى لأصحابها قبل أية تحقيقات قضائية محايدة ، ومن هنا فسوف يدفع المجتمع تكلفة تلك الفاتورة الباهظة ، رغم أن الحالة الاقتصادية أصلا ليس لديها القدرة على دفع أية تكلفة ، فى ضوء العجز المزمن بالموازنة العامة للدولة ، والعجز بميزان المدفوعات والعجز بالميزان التجارى وضعف معدلات الادخار .
0 التعليقات:
Post a Comment