لفرض التأييد تهليلا أو صمتا على المواطن وتهجيره من المجال العام باستثناء لحظات استدعاء الجموع المؤيدة والمباعدة بينه وبين التفكير فى بدائل لنخب الحكم، تعمد النظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ من بين إستراتيجيات أخرى إلى فض الناس من حول الأصوات المطالبة بالديمقراطية والمدافعة عن الحقوق والحريات.

وتوظف إستراتيجية الفض هذه أدوات متنوعة، أولاها القمع والتعقب المباشرين لبعض نشطاء الديمقراطية والمنظمات الحقوقية وتعريضهم المستمر للممارسات وللرقابة الأمنية على نحو يحد من قدرتهم على التواصل مع الرأى العام وعلى كشف وتوثيق انتهاكات الحقوق والحريات.

تتمثل الأداة الثانية فى الإقصاء السياسى والإعلامى للأصوات الديمقراطية بحيث يسدل حجاب الصمت على قيمها وأفكارها ومقولاتها وتترك شخوصها ضحية لنشر الإفك المشوه لنزاهتها وإتساقها والمشكك فى وطنيتها والتزامها بالصالح العام دون تمكنها من الدحض والتفنيد. واللافت للنظر هنا، وكما تدلل الحالة المصرية الراهنة، هو الفاعلية المرتفعة لتلازم فرض الصمت على أصوات الديمقراطية مع تشويهها المستمر فى التأثير على توجهات قطاعات واسعة بين المواطنات والمواطنين وتعريضهم لعملية غسيل مخ متكاملة الأبعاد يفقدون معها الثقة فى أصوات الديمقراطية وفى صدقية ما تدافع عنه وكونه يقع فى صلب مصلحة الوطن والدولة والمجتمع.

وبذلك نتحول اليوم فى مصر إفكا إلى «خونة وعملاء وطابور خامس» وإلى «أصحاب أجندات خارجية ومتلقى تمويل وتعليمات أمريكا»، وتتحول الحقوق والحريات إلى أفكار هدامة هدفها نشر الفوضى وتدمير الوطن، ويحدث حجاب الصمت أثره فلا نتمكن لا من دحض الإفك المتعلق بشخوصنا بتوظيف نفس وسائط نشره (التليفزيون) ولا من التدليل على صدقية قيمنا وأفكارنا وابتغائها الصالح العام والتقدم واللحاق بركب البشرية المعاصرة والوصول إلى ذات القطاعات الشعبية التى يشوه وعيها.

تتمثل الأداة الثالثة لفض الناس من حول أصوات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات فى سعى النظم الشمولية والسلطوية والنظم المسخ فى احتكار المفاهيم الثلاثة لذواتها عبر الادعاء بأنها هى الساهرة على إدارة التحول الديمقراطى وضمان الحقوق والحريات، وبأنها هى الوحيدة القادرة على إنجاز ذلك مع حماية الوطن والدولة والمجتمع، وبأنها هى لا ترتكب الانتهاكات أو التجاوزات بل فقط تطبق القوانين على دعاة الفوضى والموظفين للديمقراطية وللحقوق وللحريات لهدم الوطن، وبأنها هى التى تصنع المؤسسات المجسدة لهذه الأفكار السامية إن بمجالس قومية لحقوق الإنسان أو بهيئات أخرى. وبالقطع يساعد النظم هذه هنا جموع خدمة السلطان والمتورطين فى تشويه الوعى العام القادرين دوما على تطويع المفاهيم والكلمات للدفاع عن الحكم والاغتيال المعنوى لمعارضيه.

غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر


0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -