بينما تتقدم البشرية فى دول ومجتمعات بعيدة عنا وذات ظروف مختلفة ويعكس واقعها السياسى والاقتصادى والاجتماعى حقيقة تطور إمكاناتها وقدرتها على إدارة الأزمات والسيطرة عليها أو علاجها والتخلص منها، نتحرك نحن فى مصر، وللأسف الشديد على منحنى هابط تتراكم به الأزمات وتتراجع إمكانات مواجهتها ويتواصل به خروجنا من التاريخ المعاصر.
فى جنوب أفريقيا وبعد رحيل العظيم مانديلا، وفى ظل موجة كاسحة من الحداد الشعبى الممتن لدوره التاريخى فى إنهاء نظام الفصل العنصرى فى ١٩٩٠، وصناعة مسار للتحول الديمقراطى ومواطنة الحقوق المتساوية، تبدو مؤسسات الدولة والساحة السياسية وفعاليات المجال العام فى وضعية النقد الذاتى.
وتقييم تطورات العقدين اللذين انصرما منذ بداية التسعينيات إن بشأن تجاوز العنصرية على جميع مستويات الدولة والمجتمع أو لجهة السيطرة على معدلات التنمية المتراجعة ونسب الفساد المتزايدة والفجوة المتصاعدة بين الأغنياء (أغلبيتهم من ذوى الأصول الأوروبية) والفقراء (أغلبيتهم من ذوى الأصول الأفريقية) والبحث عن إستراتيجيات وسياسات أفضل للتغلب عليها. تؤشر قراءة صحافة جنوب أفريقيا فى هذه الأيام على وعى عام واضح بجوانب القصور فيما تحقق من تقدم سياسى واقتصادى واجتماعى منذ التسعينيات وبحتمية انخراط الدولة والمجتمع فى عمل مكثف لتجاوزها، وتقترن بذلك توقعات بشأن احتمالية إخفاق رئيس الجمهورية الحالى زوما فى الاحتفاظ بمنصبه فى الانتخابات المقبلة.
فى النرويج، التى تخصص ٩٦ بالمائة من عوائدها من النفط والغاز الطبيعى لحياة وحقوق الأجيال القادمة، ولا تستغل أكثر من ٤ بالمائة فى موازناتها السنوية الراهنة، تناقش مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى الالتزامات الإنسانية العالمية لهذا البلد الصغير والحدود المقبولة لدوره إن بشأن الإغاثة اللاحقة على الكوارث الطبيعية كما حدث مؤخرا فى الفلبين أو فى المجتمعات التى تعانى من عنف متصاعد كما فى سوريا ولاجئيها الذين يعانون من أوضاع شديدة القسوة. جوهر النقاش الدائر اليوم فى النرويج هو منع انزلاق الدولة والمجتمع ــ خاصة مع الائتلاف اليمينىالمحافظ الحاكم ــ إلى مواقع الانغلاق والانعزال عن أزمات العالم وتغليب النزوع للحفاظ على الرخاء والرفاهية فى الداخل على الالتزامات الأخلاقية والإنسانية.
وتتواصل النماذج الإيجابية إن من ألمانيا التى توافق بها ائتلاف الحزبين المسيحى الديمقراطى والاشتراكى الديمقراطى على تحسين شروط التجنس لذوى الأصول الأجنبية ودعم المساواة بين المرأة والرجل، مرورا بأوكرانيا التى يتظاهر بها الآلاف لطلب التغيير الديمقراطى وسيادة القانون، إلى البرازيل التى تتجمل لكأس العالم لكرة القدم بسياسات مستمرة لمواجهة الفقر والفساد ولحماية البيئة. أما نحن فعلى المنحنى الهابط دون تغيير وبدفاع مستميت لأصحاب المصالح المستفيدة من الأزمات ومن الفساد ومن غياب التقدم.
0 التعليقات:
Post a Comment