منذ عرفتك وترافقنا فى العمل للتغيير والتبشير بالثورة وأنا أثق فى وطنيتك ونقائك وتجرُّدك، خضنا معاً كثيراً من المعارك من أجل ما نؤمن به من مبادئ وأفكار، دائماً كنا نبدأ وعددنا قليل ثم يدرك الناس ما ندعوهم إليه فيلتفّون حولنا ونصبح كُثراً.

أنقذتَ حياتى حين كان الرصاص يتناثر حولنا، وقنابل الغاز تحرق أنفاسنا، زُرنا تقريباً كل محافظات مصر قبل الثورة وبعدها لنبُثَّ الأمل فى قلوب الشباب، ونقول لهم إن جيلنا يستطيع بسلميته أن يُغيِّر الاستبداد، وصنعها جيلنا وفاجأ الجميع، ثم انتكس مسار الثورة، وتبدَّلت المواقع وتحرك بعضهم من معسكر الثورة إلى معسكر أعدائها ضعفاً أو ترهيباً أو ترغيباً أو جهلاً، تساقطت أمام عيوننا قامات شامخة، داست على المبادئ والقيم التى عشنا حياتَنا ننحاز إليها، كنت تنظر لى بخوف وتقول: هل من الممكن أن نتغير مثلهم يوماً ما؟ فأقول لك: لا، لأننا لا نريد شيئاً لأنفسنا، ولا غرض لنا سوى أن نسعد هذه الملايين البائسة.

تمرُّ الأيام، وتعلو أمواج هادرة تعزف ألحان الزيف، تحرِّف الحقائق، وتزوِّر الوقائع، وتشوِّه من يقول كلمة الحق، تصيب الناسَ الحيرةُ فلا يعرفون مَنْ معهم ومَنْ عليهم، تتبدل مواقف بعضهم لأنهم أسرى لخوفٍ تم تضخيمه عمداً لتمكين أعداء الحرية وخفافيش الظلام الجدد.

أبحث عنك فلا أجدك بجوارى ولا بجوار رفاقنا الثابتين على مبادئهم، القابضين على الجمر فى زمن المسخ والتشوُّه، تتغير كلماتك وتتلوَّن مواقفك وتخضع وتروِّج لما يريده هؤلاء الأشقياء، أعاتبك فتقول لى إن الموجة عالية، ولا بد أن نخفض رؤوسنا حتى تمر.. نعم، هى ستمر لكن رأسك لن يرتفع مرة أخرى: مَنْ يَهُنْ يسهُلِ الهَوانُ عَليه.. مَا لجُرْحٍ بمَيِّتٍ إِيلَامُ.

يا رفيقى، أبداً لن تكون الفضيلة مثل الرذيلة، ولا الإثم مثل البر، ولا الثبات مثل الخيانة.. إنهم يراودونك اليوم عن مبادئك ويريدونك فرداً فى قطيع النفاق والتهليل لصناعة الاستبداد، فكيف ترضى لنفسك هذا المنزل؟ أنا لا أحتكر الحقيقة، ولا أوزع صكوك الوطنية، ولا أقول لك «اتبعنى وإلا فأنت خائن»، لكننى ألوذ بمبادئنا وقيمنا الأولى، وأقيس الواقع بنفس المعايير التى لا تتغير. لا تعتقد أن ما تفعله سياسة ومرونة وتفاعل مع الواقع، فخطنا الأحمر هو المبادئ، حقوق الناس والحريات ليست وجهة نظر، والديمقراطية ليست قطعة قماش يحيك كلُّ مستبد منها ما يشاء. لن تنال شيئاً بخضوعك لهم، وستخسر نفسك واحترامك لذاتك وتاريخك، خُدَّام السلطة يصبحون نِعَالها، ثم يستقرون فى مثواهم الأخير فى سلة قمامة السلطة، والتاريخ يخبرك، فلمَ لا تتعظ؟!

إن خلافنا معهم ليس خلافاً على وجهات نظر قد تُقبل وقد تُرفض، إنه خلاف على الدم والحرية ومستقبل الدولة التى نزلنا الميادين ثواراً من أجل أن تُحكم بالعدل، فكيف اليوم ندجِّن الظلم ونغدو عرابين للاستبداد؟!

لا يغرنَّك من يصفق لهم اليوم، لا يغرنَّك ما يزعمونه من إجماع وتأييد لانحرافهم.. إنهم ساقطون، وسيلحقون بمن سبقهم مهما طال الزمن.

يا رفيقى، ليس معنى أننا لم نحقق هدفنا أن نقوم بتغيير الهدف نفسه وننهزم نفسياً ونقبل ما يريدون، تذكَّر من كانوا بيننا ورحلوا واستحِ.. (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -