حينما قام الرئيس الموريتانى الحالى الجنرال محمد ولد عبد العزيز بانقلابه العسكرى ، على أول رئيس موريتانى منتخب وهو سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله فى السادس من أغسطس 2008 ، رفضت الدول الأفريقية والغربية الإعتراف به ، ونصحه الغرب بعمل انتخابات كى يحصل من خلالها على الشرعية حتى يتعاملوا معه .
ولأن الجنرال الموريتانى كانت بيده كل مقاليد السلطة فقد سخر كل الإمكانيات ، واستخدم كل الوسائل الطبيعية وغير الطبيعية للحصول على الأغلبية ، مما أهله للتعامل مع العالم .
رغم اتهام المعارضة له بتزوير الانتخابات وعدم اعترافها بالنتائج النهائية ، حتى أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات قد استقال وامتنع عن الاعتراف بالنتائج ، لكن دول الغرب لا يهمها سوى استمرار تحقيق مصالحها .
ونفس الأسلوب نفذه الإنقلاب الدموى فى مصر بتسخير كل الوسائل الطبيعية وغير الطبيعية ، من خلال حشد عشرات الألوف من قوات الجيش والشرطة والتى يسيطرون عليها ، وتسخير الآلة الإعلامية العامة والخاصة للتطبيل بالموافقة ، ومنع أى رأى مخالف لدستور الانقلاب من الظهور اعلاميا ، حتى ولو كان فى شكل ملصق أو لافتة أو مطبوع صغير ، والقبض على من يحاول اتباع أيا من تلك الوسائل البسيطة .
كذلك بالإستعانة بوزراة الأوقاف والمفتى وحزب النور ، بل أنهم استعانوا بخطباء مساجد من الأوقاف لمساجد الجمعية الشرعية وأنصار السنة رغم ما بهما من معاهد لاعداد الدعاة ، وكذلك منع صلاة الجمعة بالزوايا ، وحشد القيادات الحزبية والقيادات العمالية التى عينوها وقيادات الفلاحين وقيادات الكنيسة ، للانتشار بالمحافظات لعقد مؤتمرات تأييد الدستور .
وتفرغ القيادات المحلية بالمحافظات لنفس الغرض ، ودفع اتحاد الصناعات لإرسال رسائل للمواطنين بالهاتف المحمول ونشر اعلانات دعوات الحشد بالموافقة بالصحف ، ودفع آخرين لتعليق لوحات مؤيدة للدستور بالشوراع والميادين والصحف .
والسماح بتصويت الوافدين من المحافظات فى غير مناطقهم الإنتخابية ، والتخفيضات فى تذاكر الطيران للمصريين القادمين لمصر قبيل الإستفتاء ، والتسهيلات بالقطارات والمترو يومى الإستفتاء ، وتعطيل مباريات الدورى العام خلال أيام الاستفتاء ، وتأجيل امتحانات الجامعات والمدارس يومى الاستفتاء .
وهكذا تسخير كل امكانات البلاد للموافقة وقمع أية معارضة للاستفتاء ، ولم تهم حكومة الانقلاب التكلفة - فى بلد متخم بالديون الخارجية والداخلية ، ويعيش على المعونات الخليجية منذ نصف عام - للصرف على مكافآت القضاه والشرطة ومطبوعات الاستفتاء والوجبات ووسائل النقل ، وموظفى المحليات للإشراف على اللجان التى يزيد عددها عن الثلاثين ألف لجنة .
ولا يهمه آثار تعميق الإنقسام المجتمعى التى سيترتب عليها ذلك الإستفتاء ، وهو الانقسام الى وصل الى داخل البيوت ، ليتم الاستفتاء وهناك قوى مجتمعية موجودة خلف القضبان ، وممنوعة من الحركة ويتم إطلاق قنابل الغاز والرصاص علي أنصارهم كل يوم ، والتشهير بهم بوسائل الاعلام المؤيدة للإنقلاب .
بما يشير الى عدم حياد الجيش والشرطة والمحليات الذى تولوا الإشراف على الإستفتاء ، وكان نصف عدد اللجان بلا إشراف قضائى ، حتى جمعيات حقوق الإنسان التى راقبت الإستفتاء ، كان كثير من قياداتها من المؤيدين للإنقلاب والكارهين للاسلاميين مما يفقدهم المصداقية .
- كل تلك الآثار المادية الباهظة والمجتمعية السلبية ، لا تهم قيادات الانقلاب وقائدهم ، المهم الحصول على صك موافقة الأغلبية بالإستفتاء ، للسير فى الخطوات التالية للإستيلاء على منصب رئيس الجمهورية وعلى مقاعد البرلمان ، مؤيدا فى ذلك من قيادات ليبرالية ويسارية كانت تتشدق مسبقا بالدعوة لإطلاق الحريات ، لكن كراهيتها للاسلاميين جعلتهم يصمتون عما جرى من مذابح واعتقالات وانتكاس للحريات العامة والخاصة .
ويتجاهل هؤلاء أن كل الحريات التى وردت بدستور الانقلاب لم تلتزم حكومة الببلاوى بأى منها ، مثل حرمة الجسد فى حين قاموا بحرق الجثث ، وحرمة المنازل فى حين قاموا باقتحامها وتكسير ما بها بل وسرقتها فى بعض الحالات .
وحرمة المكالمات الهاتفية لكنهم تباهوا بالتصنت عليها ، وعدم التحقيق مع المتهمين إلا بحضور محاميهم وهو مالم يحدث ، وحق تنظيم المواكب والتظاهرات فى حين تم القبض على كل من رفع لافتة ترفض دستورهم .
- وأتصور من ارتكب العديد من المجازر الوحشية واعتقل الآلاف ولفق التهم ، كان من السهل عليه التزوير والكذب والإدعاء بمشاركة الملايين ، والاعلان عن نسب بالموافقة تعيدنا الى عهد العقيد جمال عبد الناصر ، لتؤكد عمليا التماثل غير الديموقراطى بين عهد كلا من عبد الناصر والسيسى .
وهاهو اقتحام جامعة القاهرة فى اليوم التالى للإستفتاء بما فيه من دموية وقتل ، شاهد آخر بخلاف من سقطوا قتلى خلال اليوم الأول للانقلاب ، واعتقال 444 شخصا خلال يومى الاستفتاء .
وهاهى وسائل الاعلام الحكومية والخاصة المكتوبة والمرئية تواصل وقوفها مع الإنقلاب بلا استثناء ، وتواصل مشوار البعد التام عن المهنية والموضوعية ، بالتعبير عن وجهة نظر واحدة فقط تخص الانقلابيين ، ولا عجب فى ذلك فمن سكت عن المجازر الوحشية التى راح ضحيتها الآلاف يسهل عليه الصمت عن التزوير .
- ولا عجب فى تأييد المدعين للثورية والليبرالية لكل تصرفات الإنقلاب الوحشية والانتقامية ، منتظرين الثمن الذى نالوا جانبا منه فى التشكيل الوزارى وتشكيل المجلس القومى لحقوق الانسان والمجلس الأعلى للصحافة ومجالس ادارات المؤسسات القومية وبعض المواقع الحكومية .
لكنهم لا يدركون أن قيادات الانقلاب سوف يتخلصون منهم بالتدريج ، بعد أن يحققوا مرادهم كما فعلوا مع حركة السادس من ابريل ومصر القوية ، لأنه حسبما ذكر اللواء محمد نجيب فى مذكراته أن حكم العسكر لا يقبل شريكا معه بالسلطة .
- ولكن كل ذلك لن يثنى عزيمة الأحرار فى بلادنا عن مواصلة السعى السلمى ، لدحر الإنقلاب الغاشم الذى لم يترك نقيصة إلا وقد ارتكبها ، دون انتظار تأييد الغرب المعنى بمصالحه وضمان أمن اسرائيل .
وهو ما يحققه قادة الإنقلاب لهم بامتياز ، ولعل تصريحات نفر من قيادات الانقلاب لوكالة رويتر بأن الدور القادم بعد الإخوان على حماس ، أحد تلك الشواهد .
وفوق كل ذلك يبقى قول الحق تعالى وقدرته وتدبيره " ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون " وأنه لا يصلح عمل المفسدين .
0 التعليقات:
Post a Comment