مع بدء تطبيق الحد الأدنى للأجور للعاملين بالحكومة ، بدأت موجة من الارتفاعات للأسعار ، رغم عدم امتداد رفع الحد الأدنى لدى القطاع الخاص بعد ، أو لدى أصحاب المعاشات الذين تم الاكتفاء بمنحهم علاوة بنسبة 10 % من شهر يناير الحالى .
وهناك اتفاق عام بين الجميع ، على أن قرار زيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين بالجهاز الحكومى ، لم يتم على أسس اقتصادية وإنما استنادا لعوامل سياسية وأمنية تستهدف التهدئة الاجتماعية .
حتى أن اقتصاديين داخل الحكومة كانوا يفضلون التدرج فى التطبيق ، وعمل اصلاح شامل لهيكل الأجور بدلا من سياسة المسكنات ، وتوجيه تلك الموارد التى ستتجه الى رفع الحد الأدنى والبالغة أكثر 18 مليار جنيه سنويا ، الى امتصاص جانب من البطالة الحالية .
والتى زادت عن 6ر3 مليون متعطل حسب الأرقام الرسمية التى نتحفظ عليها ، خاصة وأن البطالة لها مخاطر سياسية وأمنية واجتماعية ، أعلى من مخاطر التريث فى تطبيق الحد الأدنى للأجور .
أما بعد تطبيق القرار الحكومى ، فمازالت تحفظات الاقتصاديين تتجه الى أنه كان من المفترض أن يرتبط بمعايير للأداء وجودته ، أو بعدد معين من ساعات العمل وبرقم معين من الأجازات ، بدلا من أن يرسخ البطالة المقنعة داخل الحكومة ، الى جانب أنه لم يراعى الأقدميات داخل الجهاز الحكومى ، ويساوى بين أصحاب المؤهلات العليا وحملة الابتدائية .
- ويبقى التخوف الأكبر من حدوث طفرة بالأسعار ، مثما حدث فى مايو 2008 عندما تم رفع أجور العاملين بالحكومة بنسبة 30 % ، لأنه مع زيادة كمية النقود فى أيدى الأفراد دون زيادة مواكبة فى الكم المعروض من السلع والخدمات ، فمن الطبيعى أن ترتفع أسعار تلك السلع والخدمات .
ونظرا لكون الفقراء يوجهون حوالى 80 % من دخولهم الى الغذاء ، فإن تضرر هؤلاء من ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيكون أشد ، فى بلد تشير الاحصاءات الرسمية به الى بلوغ نسبة الفقر أكثر من 26 % ، أى نحو 22 مليون ونصف المليون من الفقراء ، رغم أن أخرىن يرون أن نسبة الفقر الحقيقية تتراوح ما بين الضعف الى الضعفين للنسبة الرسمية له .
- ويأتى التخوف من متوالية ارتفاع الأسعار ، فعندما يجد الحرفى كالسباك مثلا ، أن دخله لم يعد يكفى للحصول على نفس كمية السلع التى يستهلكها ، من الخضر واللحوم والبقول والجبن والفاكهة وغيرها ، فمن الطبيعى أن يرفع أسعار الخمة التى يقدمها ، كى يستطيع الوفاء بنفس الكمية التى كان يشتريها من تلك السلع المتنوعة .
وسيتكرر ذلك مع باقى أصحاب الحرف والمهن والبائعين ، مما يدخل المجتمع فى موجة شاملة من الارتفاعات السعرية ، فى وقت لا تملك فيه الحكومة الوسائل الكافية لإيقاف تلك الارتفاعات السعرية ، بل أن أصابع الاتهام تتجه لبعض مفتشى التموين المنوط بهم ضبط الأسعار ، الى جانب فشل تجربة الأسعار الاسترشادية .
- والأمر المهم هو إدارك أن رفع الحد الأدنى وحده ليس حلا لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين حياة المواطنين ، فكما شهدنا فى عام 2008 بعد زيادة أجور الموظفين ، أن صرخ هؤلاء مطالبين بعودة الأجور الى ما كانت عليه من قبل ، مقابل عودة الأسعار الى ما كانت عليه قبل زيادة الأجور ، حيث أن ارتفاعات الأسعار لن تقتصر على الغذاء ، ولكنها ستمتد الى الخدمات الصحية والتعليمية والنقل وغيرها من الخدمات .
لذا يصبح الأهم لدى الناس هو مدى تحقق تحسن حقيقى بالظروف المعيشية ، وهذا أمر يتطلب جهودا مجتمعية تشمل زيادة الانتاج من السلع والخدمات ، ورفع انتاجية العامل ، وتحسين مستوى الخدمات وقوة العملة واستقرارها فى ظل استيراد معظم الإحتياجات الغذائية .
والتصدى للاحتكارات فى الصناعة وفى استيراد المواد الغذائية ، فهناك احتكارات فى استيراد اللحوم عطلت استيراد اللحوم من السودان ، حتى تظل أسعارها مرتفعة ، ويتكرر الأمر فى سلع أخرى عديدة .
وكان المفترض الاستعداد من جانب الجهات الرقابية على الأسواق ، بطرح كميات إضافية من السلع بالمجمعات الاستهلاكية ومنافذ التعاونيات ، لتحقيق التوازن النسبى بالأسواق نظرا لاستحواز القطاع الخاص على النصيب الأكبر من منافذ البيع .
إلا أن الحقيقة المفجعة أن شركات المجمعات الاستهلاكية تحصل على احتياجاتها من الخضر والفاكهة ، من تجار سوق العبور مثلها مثل تجار التجزئة ، وليس لديها مناطق انتاج خاصة ، كما تقوم باستيراد السلع الغذائية مثلها مثل تجار الجملة ، مما يجعل هامش المناورة لديها لطرح سلع بأسعار أقل محدودا .
وهكذا فإن الواقع العملى للسوق يشير الى أن قيمة رفع الحد الأدنى للأجور ستلتهمها زيادات أكبر بالأسعار .
ELWALI.MAMDOUH@GMAIL.COM

0 التعليقات:
Post a Comment