كتبت "سينيثيا شنايدر"، أستاذ في ممارسة الدبلوماسي في جامعة جورج تاون، وعميدة كلية الدبلوماسية في جامعة دوبروفنيك، وزميل غير مقيم في معهد بروكينغر، وهي أيضا سفير الولايات المتحدة السابق إلى هولندا، مقالا بصحيفة CNN بتاريخ 26/1/2014، وكان عنوانه، كيف تخلت الولايات المتحدة عن ثورة الربيع العربي في مصر؟.
وإليكم ترجمة للمقال:
"صدّق الناخبون المصريون هذا الشهر على دستورٍ جديدٍ يُكرس للجيش و الشرطة و الاستخبارات مناصب عُليا في السلطة بشكلٍ لم يسبق له مثيل . و لكن على جانبٍ آخر من الممكن للكثيرين في أنحاء العالم المختلفة مشاهدة فيلم " الميدان " – فيلم مُرشَح لجائزة أوسكار – و هو فيلم وثائقي لجيهان نُجيم تتحدث و تسرد فيه نضال الثوار المصريين -الشباب و المُثقَفين والإخوان المسلمين – الذين يقاتلون من أجل الكرامة و العدالة الاجتماعية و التمكين الاقتصادي و الحرية .
و لكن أياً منهما هى مصر الحقيقية ؟ مصرُ: دستور سلطات الجيش و الشرطة؟ أم مصر الثورة؟ الواضح أن مصر هي كلاهما، و لكن الأكثر وضوحًا هو أن مصر الثورة باتت متجاهلة من قبل إدارة أوباما والكثير من وسائل الإعلام.
في واشنطن كما في مصر , هناك روايتين :
الأولى : هي أن الجيش قد أعاد الاستقرار إلى جنبات الوطن، وقضى على الثورة.
الثانية : هى أن المصريين قد كسروا سور الخوف من النظام و أن من قادوا و شاركوا و نظموا الثورة سلفاً مستمرون في الكفاح و النضال من أجل نفس المطالب مع إقرارهم بصعوبة التحديات المُقبِلة.
الرواية الثانية تتجسد في (الميدان)، الفيلم الذي تابع الانتفاضات المصرية المتوالية التي استمرت منذ ثلاث سنوات وبالتحديد في الخامس و العشرين من يناير عام 2011، وحتى أحداث فض اعتصام الإخوان في ميدان رابعة العدوية في أغسطس الماضي .
(الميدان) يجعلنا نرى المشهد الثوري المصري من خلال عيون ثلاثة من الثوار الذين التقوا في ميدان التحرير إبان الاحتجاجات الأولى فى 2011، و هم: أحمد حسن؛ بائع متجول شاب يبرز في الفيلم باعتباره أحد قادة المظاهرات،و خالد عبد الله؛ و هو ناشط سياسي من أبناء الجيل الثالث و هو أيضاً بطل فيلم " The kite runner" و مؤسس وسيلة الإعلام الجماعية " مُصرين " , و مجدي عاشور عضو في جماعة الإخوان المسلمين. و نرى من خلال أعين هؤلاء الشباب أحداث السنوات الثلاث الماضية التي سارت على وتيرة متقطعة و غير منتظمة في معدلات التفاؤل و الخيانة و خيبات الأمل .
هذه هي مصر التي نستها إدارة أوباما أو تناستها , هذه هي مصر التي أذهلت واشنطن قبل ثلاث سنوات و قلبت الموازين على السياسة المُبرَمة بينها و بين القاهرة لمدة 30 سنة .
صحيح أن القضية المشتركة التي جمعت الناس في التحرير وأزالت من بينهم الحواجز الاقتصادية والعرقية لم يتم تحقيقها بعد ، إلا أن نزول المصريين إلى الشوارع للاحتجاج لم يكن مفاجئًا ، وذلك بعد عقود من الحكم الاستبدادي وعدم وجود مؤسسات مستقلة وموثوق بها في دولتهم، أما الآن، فقد أخذ الدستور المدعوم من الجيش كل هذا بعيدًا.
أحمد و خالد و مجدي و غيرهم من زملائهم الثوار في الميدان مثل (رامي) الذي تعرض للضرب بوحشية من قِبل قوات الأمن بسبب أغنية غناها في التحرير ، يثبتون أن مصر الثورة تتراجع، حيث إنهم فشلوا في تعلم إنشاء وتنظيم الأحزاب السياسية ، واكتساب القوة التي تمكنهم من الاستيلاء على السلطة، هذا الفشل هو الذي جعل الإخوان، والجيش من بعدهم يملئون هذا الفراغ، ولكن ذلك لن يثنيهم عن النضال من أجل مطالبهم.
و بالنظر إلى تصوير الفيلم للهجمات العسكرية على المتظاهرين و التى ابتدأت منذ شهر مارس عام 2011 ، فإنه من الصعب أن نفهم السر وراء الافتتان بالجنرال عبد الفتاح السيسي و مؤسسة الجيش مؤخرًا،و هو شعور امتد إلى الليبرالين أنفسهم كالكاتب علاء الأسواني!
وقد علق كريم عامر منتج فيلم الميدان في إحدى جلسات النقاش قائلًا: إن الناس قد بدؤوا في إدراك ما يقوم به النظام الحالي من تقسيم للمصريين .
و فى ملاحظة فى حاشية الفيلم، نجد شيئًا مأساويًا , فمجدي عاشور قد بات حبيس منزله - و هذا هو المصير المشترك لمعظم أعضاء جماعة الإخوان المسلمين - وأصبح غير قادرٍ على العمل خوفًا من الاعتقال بعد إدراج جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية من قبل الجيش. و لكن ما يثير السخرية، أن مجدي ذاته كان قد وقف مع الثوار و انحاز إليهم فى تظاهراتهم ضد نظام الرئيس المعزول محمد مرسي !
كما أن السياسة التي اتبعها النظام المصري الحالي من حظر المنظمات الخيرية والتي كانت تحظى بتأييد ملايين المصرين، وكانت تقدم الخدمات الاجتماعية الأساسية للفقراء لا يمكن أن تنتهي بشكل جيد.
و الآن أين الولايات المتحدة الأمريكية من كل ذلك؟ كالعادة ليس لها أي تأثير، فبعد تخليها المستمر عن أولئك الذين يقاتلون من أجل أهداف الثورة بدأت تفقد نفوذها شيئًا فشيئًا.
فالولايات المتحدة الأمريكية تتحدث إلى الجيش و قياداته لكن دون جدوى , و وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغيل يطلب من السيسي أن ينثني عن عمليات القمع المتزايدة للمعارضين و العمل على محاورتهم و الدخول معهم فى جلسات حوار سياسي, لكنه لا يجني من ذلك سوى الحصول على وابل من الذم من قِبل وسائل الإعلام المصرية .
" الميدان " لابد أن يكون تذكيرًا مؤلمًا للبيت الأبيض و الكونجرس و وزارة الخارجية الأمريكية الذين يعملون على إرجاع النظام العسكري و حكمه فى مصر و إعادة إنتاجه مرة أخرى .
أما المصريون الذين يعرفون هذا جيدًا بما فيه الكفاية، لا يملكون الفرصة لمشاهدة الفيلم حيث يقبع فى سلطة رقابة الدولة هناك , و لا عجب من ذلك فالنظام المدعوم من قِبل الجيش لا يريد للمصريين أن يروا التناقض بين ما قاله الجيش " لن نلحق الأذى بأي مصري"، وبين ما يحدث على أرض الواقع من الإيذاء والقمع الذي يتعرض له المحتجون.
إذن، جوائز الأوسكار حققت ما فشل البيت الأبيض في تحقيقه و هو التعرف على إدراك الرواية الصحيحة لما يجري في مصر.
أما الآن، يجب على السلطات المصرية أن تسمح للمواطنين بمعرفة تاريخهم , و على الرغم من وجود علامات مشجعة عن أن ترشيحات الأوسكار قد دفعتهم لاستعراض حالة الفيلم , مما قد يجعل عرضه أمرًا ممكنًا ، لكن ذلك – حتمًا – لن يكون قريبًا ".
المصدر: الحصاد
ترجمه: - اسراء جلبط - مي الغمازي - فاطمة فتحي - عائشة حواس - حازم احمد.
0 التعليقات:
Post a Comment