قبل شهرين فقط، كان المشهد في تونس مثيرا للقلق.. المانحون الدوليون يسحبون ودائعهم.. والبرلمان لا يزال في حالة جمود.. والتحقيقات متواصلة للوقوف على حقيقة اغتيال اثنين من الساسة.

لكن المشهد اليوم مغاير تماما، الرئيس الفرنسي فرنسوا أولاند وعدد من قادة العالم يزورون تونس لحضور إعلان الدستور الجديد الذي وصف بأنه أحد أفضل الوثائق الدستورية التقدمية في العالم العربي، ويا له من تحول.

الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من تونس، أضحى الكثير من المحللين يصفونه بأنه شتاء عربي، خاصة في دول مثل مصر حيث عزل الجيش أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي من منصبه، حسبما رأت شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية في تحليل بثته على موقعها الإلكتروني.

لكن تبقى تونس نقطة مضيئة، بعد أن انتهت جمعيتها التأسيسية من صياغة وتمرير دستور تقدمي الشهر الماضي.

عندما زار أولاند تونس آخر مرة في يوليو، أقدم على تلك الزيارة، إذ أن الوضع (هناك) معقد" نظرا للعراقيل التي كانت تواجه عملية صياغة الدستور، حسبما أفاد مسؤول.

وأضاف المسؤول شريطة عدم الكشف عن هويته التزاما بسياسة الحكومة " اليوم نحن ذاهبون مرة ثانية.. فقد صارت (تونس) قصة نجاح".

احتفال اليوم يحضره أيضا رؤساء السنغال والجابون ولبنان وموريتانيا وتشاد ورئيس الوزراء الجزائري وولي العهد الاسباني الأمير فيليب وعدد من رؤساء البرلمانات الأوروبية.

يغيب عن الحفل أي ممثل لمصر، التي توترت علاقاتها بتونس بعد دعوة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي للإفراج عن نظيره المصري محمد مرسي بعد اعتقال الجيش له.

كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أجرى اتصالا هاتفيا الاثنين الماضي برئيس الوزراء المؤقت مهدي جمعة وهنأه على الدستور الجديد ودعاه لزيارة واشنطن.

بعد الإطاحة برئيسهم السلطوي زين العابدين بن علي عام 2011 ، دفع التونسيون بحزب اسلامي معتدل وحزبين علمانيين آخرين لسدة الحكم.

واجه هذا الائتلاف الحاكم تحديات كبرى ممثلة في الاضطرابات الاجتماعية التي لا تهدأ وارتفاع معدلات البطالة أضف إلى ذلك مد الحركة الإسلامية المتطرفة المرتبطة بالقاعدة والتي بدت عازمة على عرقلة الانتقال السياسي.
اغتيال اثنين من ساسة اليسار، أحدهما في فبراير والآخر في يوليو دفع المعارضة للانسحاب من المشهد ووجه ضربة قاسمة لعملية التحول السياسي برمتها.

وزير الداخلية الفرنسي مانويل فال اتهم الحكومة التونسية بالفاشية الإسلامية.

وزاد المأزق السياسي الأزمة الاقتصادية في تونس، وسحب صندوق النقد الدولي قرضا بقيمة نصف مليار دولار، كما خفضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني التونسي في أغسطس الماضي بأكثر من درجتين.

وقالت الوكالة إن "تزايد الخلاف على الشرعية الشعبية لمؤسسات تونس الانتقالية.. يهدد مسألة إقرار الدستور الجديد".

نسب التضخم ارتفعت بشكل حاد واتسعت هوة عجز الموازنة وخرجت تظاهرات للاحتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتزامن مع ذلك كله ارتفاع معدلات البطالة.

لكن بعد تمرير وثيقة الدستور، تحسنت صورة تونس في الخارج بشكل كبير ، ولا أدل على ذلك من إفراج صندوق النقد الدولي عن قرض النصف مليار دولار بعد أيام من إقرار الوثيقة.

وقال عز الدين سعيدان، وهو خبير مالي تونسي، إن البنك الدولي يتوقع أن يمد تونس بقرض في وقت قريب، كما سيرفع بنك التنمية الأفريقي قرار وقف إقراض تونس.

"الأصوليون كما هم.. لكن المسألة الآن نفسية.. الناس تشعر بتحسن وهدأت مخاوفهم إلى حد ما.. أعتقد أن المزاج العام تغير بشكل كبير داخل البلاد وخارجها".

توقف تراجع قيمة الدينار التونسي أمام العملات الاجنبية، بل إن سوق الاوراق المالية بدأت تلتقط أنفاسها وتشهد صعودا في مؤشراتها رغم بقاء المشكلات الاقتصادية الخطيرة.

ثمة شعور عام أن المجتمع الدولي يعاود دعم الثورة التونسية بعد أن أظهرت أنها قادرة على تحرك للأمام حسبما تؤكد منصورية مخيفي مدير برنامج الشرق الاوسط وشمال أفريقيا بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية.

" لم تدعم الدول الغربية هذه الثورة بحق خلال سنواتها الثلاث بسبب الأزمة الاقتصادية في أوروبا وكذلك بسبب الفهم الخاطئ لبدايات الثورة.. لم يكن هناك دعم".

كلمات منصورية تنطبق تماما على فرنسا.

فالرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي كانت تجمعه علاقات قوية بديكتاتور تونس زين العابدين بن علي، وحكومة ساركوزي أعربت عن تحفظات قوية إزاء الفوز الساحق الذي حققه حزب النهضة الاسلامية التونسي في الانتخابات.

حكومة أولاند حاولت إصلاح العلاقات مع تونس خلال زيارة الرئيس في يوليو الماضي.

لكن حالة التخوف من احتمال فشل عملية التحول الديمقراطي في تونس، ظلت كما هي.

وقالت مخيفي:" لكن فرنسا الآن تشعر براحة بالغة " إزاء التقدم الذي حققته تونس.

وفي خطابه لتونس بمناسبة إقرار الدستور الجديد، أوضح الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن فرنسا ليست الوحيدة التي ترى في التجربة التونسية نموذجا يحتذى به في المنطقة.

"اعتمد على الحكومة والشعب التونسي في مواصلة إلهام العالم كما فعلوا قبل ثلاث سنوات.. ويضربوا نموذجا للحوار وتقديم التنازلات وصولا لتسوية للنزاعات السياسية في المنطقة بأسرها بل وما ورائها".

مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -