اعتبر المفكر المصري الدكتور جلال أمين أن ما يحدث في مصر حاليا، من حالة عدم الاستقرار، إنما تقف وراءه قوى خارجية، وأنه أكبر من قدرات "الإخوان المسلمين". وحذر من الأصابع الخارجية التي تؤدي لعدم الاستقرار في مصر حاليا، كما طالب بحل مشكلة الأمن أولا، محذرا من التضليل الإعلامي والديمقراطية الخادعة، ورأى أن التغيير سيحدث عندما يتولي الثوار مقاليد الحكم في أي بلد يثورون فيه.
وقال أمين في حوار مع صحيفة "الأهرام" الجمعة: "إن الإعلام المصري لا يريد أن يعترف بأن الخارج يلعب دوراً مهما جدا لعدم تمكننا من السير للأمام، وأنا مؤمن تماما بأنه بدون أصابع خارجية كان سيصبح الوضع في مصر أحسن بكثير مما هو عليه الآن".
وأضاف: "أنا لا أحب الإخوان، وفرحت جدا بسقوط حكمهم، لكن أعتقد أنه يتم تحميلهم مسئولية أكثر بكثير من دورهم، وقدراتهم الحقيقية، وأخمن من متابعتي للمشهد بكل صورة وتطوراته أن ما يحدث أكبر من الإخوان، وحتى ما يسمى بتنظيم الإخوان الدولي يشبه إلى حد ما استخدام كلمة إرهاب".
وانتقد ما يسمى بـ"الإرهاب". وقال: "لا أحب هذه الكلمة، لأنها تستخدم منذ زمن طويل لإخفاء الحقيقة، مشيرا إلى أن "أصحاب المشروع الخارجي؛ لكي يحدثوا الاضطراب المطلوب؛ لا بد من أن يقوموا بأعمال تخريبية، وهذا ما يسمونه إرهابا، ليس فقط في مصر بل في المنطقة، وفي خارج المنطقة، لأن لديهم مشاريع كثيرة في مناطق مختلفة في العالم فيقول الجمهور إن من فعل ذلك إرهابي، وأنا أتساءل: ما معنى إرهابي؟ وفي رأيي أنها كلمة غير واضحة بتاتا".
وأضاف: "أذكر عام 1997عندما وقعت مجزرة الاقصر.. كانت طريقة تنفيذها في غاية البشاعة ولم أصدق أن من فعل ذلك مصريون، لماذا هذا الغضب الكبير الذي دفعهم للقيام بذلك، فأنا منذ هذه الحادثة أقول إن هناك أصابع خارجية، وأيضا الاعتداء علي نجيب محفوظ.. نفس الشيء تم طعنه في توقيت توزيع جوائز نوبل ليتم التنويه في الأخبار العالمية أن أحد حملة نوبل قد حدث له محاولة للاغتيال".
الأمن أولا ثم الاقتصاد
وتابع جلال أمين القول: "جزء كبير من المشكلات في مصر موروث من عهد مبارك من مشكلات في الصحة والتعليم وتصادم القطارات وسوء صياناتها إلى آخره". وأضاف: "في كثير من الأحيان السياسة تتبع الاقتصاد، لكن في حالتنا الراهنة الاقتصاد هو من يتبع السياسة، ولن نستطيع حل المشكلة الاقتصادية إلا بحل المشكلة السياسية بما فيها الأمن".
وحذر من وجود "العديد من المترصدين لنا خارجيا لتنفيذ مشروع معين يتم التخطيط له، ويتطلب تدهور الاحوال في مصر، وهذا ما أعتقد فيه حتي وإن سماه البعض نظرية المؤامرة"، على حد تعبيره.
وحول سؤال يقول: "لو أمامك أحد المرشحين الثلاثة: المشير السيسي، وحمدين صباحي، والفريق سامي عنان: أيهم ستختار؟ وعلى أي أساس؟"، أجاب بالقول: "لن أذهب لصندوق الانتخابات، لأن المعلومات المتوافرة لدي ليست كاملة، ولست مستعدا أن أعلن رأيي في شيء لا أفهمه".
الديمقراطية الخادعة
وحول الديمقراطية قال الدكتور جلال أمين: "هناك مؤرخ امريكي اسمه هاورد زن كان يقول: الديمقراطية كانت تُمنع عنا بالعنف إنما الآن تمنع بالخديعة، فقبل الحرب العالمية الثانية كانت الديمقراطية غائبة بسبب الديكتاتوريين الفاشيين أمثال هتلر وموسوليني ولينين وستالين وماركو في اسبانيا والديكتاتوريات العسكرية وزوار الفجر في الشرق الأوسط إلي آخره.. أما في الأربعين عاما الماضية في عصر الشركات الكبرى، متعددة الجنسيات ظهرت الخديعة.. أولا، بالمجتمع الاستهلاكي عن طريق إلهاء الجمهور في البضائع والاستهلاك.. وثانيا: باستخدام تكنولوجيا الإعلام للترويج للباطل، الصوت و الصورة يجعلان كل ما هو قبيح جميلا، والعكس".
وأضاف: "الشركات مسيطرة علي الاعلام، والإعلام يخدم هذه الشركات، وفي غمار هذا يقوم بعمل غسيل مخ للجمهور، ويبث أخبارا خاطئة، فالإعلام يضلل بعدة طرق.. عن طريق الصوت والصورة للكذب، ويحجب المعلومات المطلوبة، ويشغل الجمهور بالاستهلاك" .
وتابع: "الذي يضر بالديموقراطية الآن هو "الخديعة"، ونحن أمام مشكلة كبيرة ليست قومية، ولكن عالمية، فالحضارة التي نعيشها الآن حضارة غير آدمية وغير انسانية، ففي سبيل الاستهلاك تهدر آدمية الانسان".
ازدواج الطبقة الوسطي
وحول الطبقية بمصر، قال إن "فكرة ازدواج الطبقة الوسطي قضية مهمة جدا، لأنه قبل ثورة 1952 كانت هناك ازدواجية لكنها كانت واضحة جدا: نصف في المائة هي الطبقة الراقية.. والبقية تعيش مثل الحيوانات، وتغوص في البلهارسيا والفقر و الأمية، وفي الأربعين عاما الماضية نمت خلالها طبقة متوسطة سيئة ومزدوجة، عكس الطبقة القديمة التي كانت تمثل 20%".
وأوضح أن تلك الطبقة القديمة كان أساس صعودها التعليم أما الآن فهناك تعليم سيئ وفساد، وانقسمت الطبقة المتوسطة إلىقسمين، فلدينا الآن طبقة داخل الطبقة المتوسطة، سببت العديد من المشكلات، أبرزها العنف، ولن نقضي علي هذه الازدواجية بدون وجود تنمية اقتصادية، وللأسف في خلال الأربعين سنة الماضية لم تحدث تنمية اقتصادية بالمعني الحقيقي المطلوب، ولا حل الا بتنمية اقتصادية صحيحة، وذلك لم يحدث حتى الآن"، على حد تعبيره.
وجلال الدين أحمد أمين عالم اقتصاد وأكاديمي مصري، تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1955، وحصل على الماجستير والدكتوراه من جامعة لندن، وشغل منصب أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس (1965-1974)، ثم عمل مستشارا اقتصاديا للصندوق الكويتي للتنمية (1974- 1978)، كما عمل أستاذا زائرا للاقتصاد بجامعة كاليفورنيا (1978- 1979)، وأستاذا للاقتصاد بالجامعة الأمربكية بالقاهرة منذ 1979، وحتى الآن.
ومن أهم كتبه: "وصف مصر في نهاية القرن العشرين"، و"عولمة القهر: الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر"، و"عصر الجماهير الغفيرة"، و"عصر التشهير بالعرب والمسلمين"، و"خرافة التقدم والتأخر"، و"ماذا حدث للمصريين؟ وهو أشهر كتاب له، ويحلل فيه ما حدث من تغيرات في حياة المصريين خلال النصف قرن الماضي بأسلوب ساخر، علاوة على كتاب "مصر والمصريون في عهد مبارك 1981-2008"، وكتاب: "ماذا علمتني الحياة: سيرة ذاتية"، و"كشف الأقنعة عن نظريات التنمية الاقتصادية"، و"شخصيات لها تاريخ"، و"فلسفة علم الاقتصاد: بحث في تحيزات الاقتصاديين وفي الأسس غير العلمية لعلم الاقتصاد"، و"مصر والمصريين في عهد مبارك"، و"رحيق العمر"، وهو سيرة ذاتية أخرى له.
عربي 21
0 التعليقات:
Post a Comment