صباح يوم الاثنين 22 مارس 2004 لم يكن عاديًا في غزة وغيرها من أرجاء فلسطين والعالم الإسلامي.. فقد هرع آلاف الفلسطينيين غير مصدقين نبأ استشهاد شيخ الانتفاضتين (كما كان يطلق عليه) تجمهروا أمام مستشفى الشفاء بغزة، حيث يرقد الشيخ الشهيد الذي طالما رأوا فيه الأب قبل القائد، والأخ قبل المقاتل العنيد..

فمن هو هذا الشيخ المجاهد الذي استشهد في مثل هذا اليوم من عام 2004

ولد أحمد إسماعيل ياسين في قرية (جورة) قضاء مدينة المجدل (علي بعد 20 ك م شمالي غزة) عام 1936 ومات والده وعمره لم يتجاوز ثلاث سنوات. وكني في طفولته بـ (احمد سعدة ) نسبة الي امه الفاضلة (السيدة سعدة عبد الله) لتمييزه عن اقرانه الكثر من عائلة ياسين الذين يحملون اسم احمد .

وحينما وقعت نكبة فلسطين عام 1948 كان ياسين يبلغ من العمر 12 عاما، وهاجرت أسرته الي غزة، مع عشرات الاف الاسر التي طردتها العصابات الصهيونية . وقد وصف الشيخ ياسين تلك الحقبة بأنه خرج من النكبة بدرس أثّر في حياته الفكرية والسياسية فيما بعد وهو أن الاعتماد على سواعد الفلسطينيين عن طريق تسليح الشعب أجدى من الاعتماد على الآخرين سواء الجيوش العربية التي جاءت تحارب –إسرائيل- لكنها نزعت السلاح من أيدينا بحجة أنه لا ينبغي وجود قوة أخرى غير قوة الجيوش، فارتبط مصيرنا بها، ولما هزمت هزمنا وراحت العصابات الصهيونية ترتكب المجازر والمذابح لترويع الآمنين، ولو كانت أسلحتنا بأيدينا لتغيرت مجريات الأحداث'.

الهجرة والشلل

وقبل الهجرة التحق أحمد ياسين بمدرسة الجورة الابتدائية وواصل الدراسة بها حتى الصف الخامس حتى النكبة التي ألمت بفلسطين وشردت أهلها عام 1948 . وعانت اسرته كثيرا -شأنها شأن معظم المهاجرين آنذاك- وذاقت مرارة الفقر والجوع والحرمان، فكان يذهب إلى معسكرات الجيش المصري مع بعض أقرانه لأخذ ما يزيد عن حاجة الجنود ليطعموا به أهليهم وذويهم.

ترك الدراسة لمدة عام (1949-1950) ليعين أسرته المكونة من سبعة أفراد عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزة، ثم عاود الدراسة مرة أخرى. وفي السادسة عشرة من عمره تعرض أحمد ياسين لحادثة خطيرة أثرت في حياته كلها منذ ذلك الوقت وحتى استشهاده، فقد أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء لعبه مع بعض أقرانه عام 1952.

لكن الشيخ ياسين لم يخبر احدا و لا حتى اسرته، بأنه اصيب اثناء مصارعة احد رفاقه خوفا من حدوث مشاكل عائلية بين اسرته و أسرة صديقه، و لم يكشف عن ذلك الا عام 1989 . وبعد 45 يوما من وضع رقبته داخل جبيرة من الجبس اتضح بعدها أنه سيعيش بقية عمره رهين الشلل الذي أصيب به في تلك الفترة.

وعانى الشيخ كذلك - إضافة إلى الشلل التام - من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى بعدما أصيبت بضربة أثناء جولة من التحقيق على يد المخابرات الصهيونية في فترة سجنه، وضعف شديد في قدرة إبصار العين اليسرى، والتهاب مزمن بالأذن وحساسية في الرئتين وبعض الأمراض والالتهابات المعوية الأخرى.

أنهى الشيخ أحمد ياسين دراسته الثانوية عام 1958 ونجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، وكان معظم دخله من مهنة التدريس يذهب لمساعدة أسرته

مواهب خطابية

شارك الشيخ ياسين وهو في العشرين من عمره في المظاهرات التي اندلعت في غزة احتجاجا على العدوان الثلاثي الذي استهدف مصر عام 1956 وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، حيث نشط مع رفاقه في الدعوة إلى رفض الإشراف الدولي على غزة مؤكدا ضرورة عودة الإدارة المصرية إلى هذا الإقليم.

بدأت مواهب الرجل الخطابية تظهر بقوة، ومعها بدأ نجمه يلمع وسط دعاة غزة، الأمر الذي لفت إليه أنظار المخابرات المصرية العاملة هناك، فقررت عام 1965 اعتقاله ضمن حملة الاعتقالات التي شهدتها الساحة السياسية المصرية التي استهدفت كل من سبق اعتقاله من جماعة الإخوان المسلمين عام 1954، وظل حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.

وقد تركت فترة الاعتقال في نفسه آثارا مهمة لخصها بقوله 'إنها عمقت في نفسه كراهية الظلم، وأكدت (فترة الاعتقال) أن شرعية أي سلطة تقوم على العدل وإيمانها بحق الإنسان في الحياة بحرية'.

في أعقاب هزيمة 1967 التي احتلت فيها الجيش الإسرائيلي كل الأراضي الفلسطينية بما فيها قطاع غزة استمر الشيخ أحمد ياسين في إلهاب مشاعر المصلين من فوق منبر مسجد العباس بحي الرمال بمدينة غزة الذي كان يخطب فيه لمقاومة المحتل، كذلك نشط في نفس الوقت من خلال جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين، ثم عمل بعد ذلك رئيسا للمجمع الإسلامي في غزة.

اعتقل الشيخ أحمد ياسين علي يد قوات الاحتلال عام 1982 ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة وأصدرت عليه حكما بالسجن 13 عاما، لكنها عادت وأطلقت سراحه عام 1985 في إطار عملية لتبادل الأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 'القيادة العامة'.


الانتفاضة الأولى


بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في 8-12-1987 قرر الشيخ احمد ياسين مع عدد من قيادات جماعة الاخوان تكوين تنظيم إسلامي لمحاربة الاحتلال بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم 'حركة المقاومة الإسلامية' المعروفة اختصارا باسم 'حماس'. وكان له دور مهم في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت آنذاك واشتهرت بانتفاضة المساجد، ومنذ ذلك الوقت والشيخ ياسين يعتبر الزعيم الروحي لتلك الحركة.

ومع تصاعد أعمال الانتفاضة و تصاعد قوة حماس و اقدامها على تنفيذ عمليات مسلحة منها اختطاف جنديين إسرائيليين عام1989 اعتقلته قوات الاحتلال بتاريخ 18 مايو- أيار- 1989 مع المئات من أعضاء حركة حماس.

وفي 16 أكتوبر 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكما بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل جنود 'إسرائيليين' وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.

و نظرا لمكانة الشيخ ياسين الكبيرة في قلوب أبناء حركته فقد قامت بتاريخ 13/12/1992 مجموعة فدائية من مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام بخطف جندي إسرائيلي وعرضت المجموعة الإفراج عن الجندي مقابل الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون بينهم مرضى ومسنين ومعتقلون عرب اختطفتهم إسرائيل من لبنان، إلا أن الحكومة الإسرائيلية رفضت العرض وداهمت مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة المهاجمة قبل استشهاد أبطال المجموعة الفدائية في منزل في قرية بيرنبالا قرب القدس .

الا ان سلطات الاحتلال اضطرت للإفراج عنه فجر يوم الأربعاء 1/10/1997 بموجب اتفاق جرى التوصل إليه بين الأردن والاحتلال يقضى بالإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين يهوديين اعتقلا في الأردن عقب محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عمان ، قبل ان يعود الي غزة و يخرج عشرات الالاف من الفلسطينيين لاستقباله .

خرج الشيخ ياسين في جولة علاج الي الخارج زار خلالها العديد من الدول العربية ، و استقبل بحفاوة من قبل زعماء عرب و مسلمين و من قبل القيادات الشعبية و النقابية ، و من بين الدول التي زارها السعودية و ايران و سوريا و الامارات .

عمل الشيخ علي اعادة تنظيم صفوف حركة حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من قبل اجهزة امن السلطة الفلسطينية ، و شهدت علاقته بالسلطة الفلسطينية فترات مد و جزر ، حيث وصلت الامور احيانا الي فرض الاقامة الجبرية عليه و قطع الاتصالات عنه .


انتفاضة الاقصى


و خلال انتفاضة الاقصى التي اندلعت نهاية سبتمبر 2000 ، شاركت حركة حماس بزعامة الشيخ ياسين في مسيرة المقاومة الفلسطينية بفاعلية بعد ان اعادت تنظيم صفوفها ، و بناء جهازها العسكري.

وتتهم سلطات الاحتلال حماس تحت زعامة ياسين بقيادة المقاومة الفلسطينية ، وظلت قوات الاحتلال تحرض دول العالم علي اعتبارها حركة ارهابية و تجميد اموالها ، و هو ما استجابت له أوروبا مؤخرا حينما خضع الاتحاد الاوربي السبت 6-9-2003 للضغوط الامريكية و الإسرائيلية و ضمت الحركة بجناحها السياسي الي قائمة المنظمات الارهابية .

وبسبب اختلاف سياسة حماس عن السلطة كثيراً ما كانت تلجا الأخيرة للضغط على الحركة، وفي هذا السياق فرضت اكثر من مرة على الشيخ احمد ياسين الإقامة الجبرية.

و قد حاولت سلطات الاحتلال بتاريخ 6-9-2003 اغتيال الشيخ وبرفقته اسماعيل هنية الرئيس الحالي للحكومة المقالة بقطاع غزة، حينما استهدف صاروخ اطلقته طائرات حربية صهيونية مبنى سكني كان يتواجد فيه .

استشهاده


قُتل الشيخ أحمد ياسين , وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره , بعد مغادرته مسجد المجمّع الاسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة، وادائه صلاة الفجر في يوم الأول من شهر صفر من عام 1425 هجرية الموافق 22 مارس من عام 2004 ميلادية بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون.

قامت المروحيات الإسرائيلية التابعة للجيش الإسرائيلي بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه الى سيارته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه، فسقط الشيخ قتيلاً في لحظتها وجُرح اثنان من أبنائه في العملية، وقُتِلَ 7 من مرافقيه.



مصر العربية

1 التعليقات:

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -