يطرح البعض تساؤلا حول إمكانية حدوث جديد في الموقف الأمريكي تجاه الملف المصري، خلال زيارة الرئيس الأمريكي أوباما للسعودية، خاصة مع استدارة أمريكا عن الاهتمام بالشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، والموقف المنحاز من قبل السعودية لنظام ما بعد الثالث من يوليو في مصر، وإمدادها له بالدعم المادي من خلال القروض والبترول الخام والمنتجات البترولية المجانية، ودفع رجال الأعمال السعوديين للاستثمار بمصر، والدعم المعنوي له بإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وسحب السفير السعودي من قطر اعتراضا منها على سماحها بنقل ما يحدث على الساحة المصرية عبر قنواتها الفضائية.

وفي تصوري أن الجانب الأمريكي له أجندته الخاصة التي يلزم الآخرين من أتباعه باتباعها، لا أن يتأثر بما يرونه، بدليل تجاهله إبلاغ السعودية بمفاوضاته مع إيران التي تمت في سلطنة عمان، والتي ساهمت في حدوث انفراجة في العلاقات الأمريكية والأوربية الإيرانية .

ولهذا سيكون من بين أغراض الزيارة طمأنة الجانب السعودي إلى أن العلاقات الأمريكية مع ايران، لن تكون على حساب علاقتها مع دول الخليج ، والتزامها بأمن الخليج.

وسيظل الهدف التجاري هو الهدف الأول من الزيارة، حيث السعى الأمريكي لزيادة معدل النمو وتوفير فرص العمل من خلال زيادة حركة التجارة، وهي الأهداف التي كانت سببا في تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط، وزيادة اهتمامها بالمنطقتين الآسيوية والأوربية، والسعي لإقامة منطقة تجارة حرة للدول الاثنتي عشرة المطلة على المحيط الهادي، ومنطقة تجارة حرة مع الاتحاد الأوربي.

فمشكلة الولايات المتحدة الرئيسية هي العجز في الميزان التجاري الأمريكي، الذي بلغ 689 مليار دولار، كفرق بين صادرات سلعية بلغت قيمتها 1579 مليار دولار، وواردات سلعية بلغت 2268 مليار دولارا.

وغالب العجز التجارى الأمريكى يتركز مع الصين، التي حققت فائضا تجاريا مع الولايات المتحدة بلغ 318 مليار دولار العام الماضي، واليابان بفائض 73 مليار دولار، وألمانيا بفائض 67 مليار دولار من تجارتها مع الولايات المتحدة.

ومن هنا فإن تركيزها على الشرق الأقصى حاليا له ما يبرره حيث شركاء بارزون بالتجارة، وغض الطرف عما يحدث في العالم العربي سواء فى سوريا ومصر ولبنان والعراق وليبيا له ما يبرره من جانبها، فتجارتها مع كل الدول العربية لا تمثل سوى حوالى 4% من اجمالي تجارتها مع دول العالم.

وتستحوذ السعودية وحدها على النصيب الأكبر من تلك التجارة مع العرب بنسبة 42% من الإجمالى، وتمثل السعودية لأمريكا الشريك التجاري العاشر بين دول العالم خلال العام الماضى بقيمة 71 مليار دولار، إلا أن ميزان التجارة معها يميل بشدة لصالح السعودية بنحو 33 مليار دولار، وهو مايعد عجزا تجاريا أمريكيا في تجارتها مع السعودية . 

ومن بين واردات النفط الخام الأمريكية خلال العام الماضي، التي بلغت قيمتها 272 مليار ونصف المليار، احتلت السعودية المركز الأول لواردات أمريكا من بين دول الأوبك، والمركز الثاني بين دول العالم بعد كندا، التي تربطها بالولايات المتحدة خطوط أنابيب لنقل الخام، وذلك بقيمة 50 مليار دولار للخام، بخلاف قيمة الواردات الأمريكية من المنتجات البترولية السعودية.

ومن هنا كان هدف أوباما من خلال زيارته زيادة الصادرات الأمريكية للسعودية، لتقليل الفجوة في الميزان التجاري الأمريكي معها، خاصة وأن السعودية حققت فائضا تجاريا مع دول العالم خلال العام الماضي بنحو 229 مليار دولار، بعد أن حققت فائضا تجاريا خلال العام الأسبق بلغ 242 مليار دولار، لتحتل المركز الأول بين دول العالم في قيمة الفائض التجاري السلعي، بينما تحتل أمريكا المركز الأول فى قيمة العجز التجارى السلعى بين دول العالم. 

فسعر البترول يزيد عن المائة دولار للبرميل خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ويتوقع له الاستمرار فوق المائة دولار خلال العام الحالي، ما يعني استمرار تحقيق فوائض بميزان المعاملات الجارية السعودي، وهي الفوائض التي بلغت 132 مليار دولار خلال العام الماضي، رغم العجز بالميزان التجاري الخدمي السعودي، والحجم الكبير لتحويلات العاملين بها الخارجة إلى بلادهم.

وهكذا سيعرض الرئيس أوباما الأمن
مقابل زيادة حجم التجارة، وتوظيف جانب من الفوائض السعودية والتي تراكمت حتى بلغت احتياطياتها من العملات الأجنبية والذهب بالعام الماضى 739 مليار ونصف المليار، لتمثل الاحتياطي الثالث في العالم بعد الصين واليابان، وذلك في شراء أدوات الدين الأمريكية، للمساهمة في علاج العجز بالموازنة الأمريكية والذي بلغ خلال العام الماضي668 مليار دولار .

كذلك استفادة الولايات المتحدة في اطار سعيها لزيادة إيراداتها السياحية، من استقدام السياح السعوديين الأكثر بذخا والأطول في مدة الإقامة عن نظرائهم من الجنسيات الأخرى.

كذلك السعى لزيادة مبيعات السلاح الأمريكية الى السعودية ، في ضوء ما أعلنه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، عن بلوغ الإنفاق العسكري السعودي خلال العام الماضي 59.6 مليار دولار.

وهو ما يزيد عما خصصته دول أكثر سكانا وأكثر مخاطرا، مثل الهند التى بلغ انفاقها العسكرى 36 مليار دولار، حيث زاد الانفاق العسكري السعودي عما أنفقته دول مثل البرازيل واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وايطاليا وإيران وتل أبيب.

وهكذا فإن البرجماتية الأمريكية تسعى إلى تحقيق مصالحها أولا، ولا مانع من بعض المجاملة للسعوديين بصور تذكارية في منتجع ملك السعودية، كما فعل بوش من قبل، ومثلما فعل أوباما قبل ذلك حين انحنى عند مصافحته لملك السعودية خلال قمة العشرين، ما أرضى السعوديين كثيرا.

ولعنا نذكر زيادة الرئيس بوش للسعودية في مايو 2008 ، حين بلغ سعر برميل البترول وقتها 126 دولارا، طالبا منها زيادة الكميات المنتجة من آبار السعودية وهو ما تحقق عقب الزيارة لتهبط أسعار البترول الى ما يقرب من الثلاثين دولار بنهاية العام، ليستفيد الميزان التجاري الأمريكي من ذلك، باعتبار الولايات المتحدة الدولة الأولى عالميا فيي استهلاك النفط، والأولى أيضا في حجم وارداته، حتى بعد انخفاض وارداتها منه في العام الماضي.

المصدر: الجزيرة مباشر مصر

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -