( الوطنية ) كلمة لا نتوقف عن سماعها كل لحظة ولكن هل توقفنا قليلا لنبحث عن معناها ؟ وهل كل الناس يؤمنون بمعنى واحد للوطنية ؟ هناك من جعلوا الوطنية أن تكون دوما فى صف السلطة وأن تخضع لما تريده حتى إذا كان مخالفا للمبادىء ومضرا بمصلحة الوطن ، وهناك من اختزل الوطنية فى أغان وطنية ومظاهر شكلية وهتاف أجوف بإسم الوطن ، وهناك من جعل الوطنية هى تخوين كل معارض ومختلف فى الرأى وإقصاءه وهناك من جعل الوطنية سلعة حنجورية على شاشات التلفاز وكلما ارتفع صوته وانفعاله المفتعل كلما كان أكثر وطنية !

الوطنية هي المتلازمة الوجدانية أى الشعور الشخصى بمعنى الوطن داخل الانسان بينما المواطنة هي التعبير العملي لإحساس الفرد بأنه مواطن وبدونها لا يشعر المرء بمعنى الوطنية


لا يمكن الحديث عن الوطنية دون إرتباطها بمفهوم المواطنة ، إذ كيف تُحدث شخصا عن وطنيته دون أن تحدثه عن واجباته وحقوقه التى حصل عليها وتحققت له فى هذا الوطن


شعور الفرد بإنتماءه للدولة التى يعيش فيها يعتمد على طبيعة تأثير النظام الحاكم من حيث السلب أو الإيجاب على هذا الانتماء الذى يصبح إنتماء تام أو ناقص أو منعدم


بعيدا عن العواطف الفطرية والمشاعر الغريزية المرتبطة بتعلق الانسان بأرض ميلاده ( الموطن ) إلا أن الانتماء للدولة التى يديرها نظام ما يتخطى الإحساس المعنوى إلى الحكم العقلى طبقا لملابسات الواقع وما يلقاه الفرد ولا يعنى هذا بالطبع أن يبغض الانسان وطنه إذا حكمه نظام فاشل سبّب الضرر المعنوى والمادى لهذا الانسان عبر استبداده وطغيانه وسوء ادارته ، فالوطن ليس النظام الحاكم ، بل الأوطان باقية والحكام زائلون


لكن ( الوطنية ) التى نتحدث عنها - وسبق تعريفها - تتأثر لا شك بممارسات الأنظمة التى قد تكون سببا فى هجرة أبناء الوطن واغترابهم عنه ، أو فى زهدهم عن الاهتمام بمشاكله والانكفاء على الذات ، أو تحول مشاعرهم الى مشاعر انتقام ورغبة فى الثأر من السلطة الحاكمة ، لذلك علينا أن نجدد معانى الوطنية الحقيقية فى نفوس الناس حتى لا تختزل معانى الوطنية فى نفوسهم فى مساحات ضيقة ولا تموت كلية بسبب ممارسات أى سلطة .


الوطنية ليست صناعة لفراعين ولا تقديس لبشر ، الوطنية ليست تخويف الناس وإرهابهم بأوهام ليست حقيقية ، الوطنية ليست تزييف الوعى وغسيل الدماغ عبر أبواق تدمن الكذب وتمتهن الإفك وتسبح بحمد أى نظام ، الوطنية ليست موافقة ومباركة قمع وقتل من يخالفك الرأى من بنى وطنك ، الوطنية ليست إهدار قيمة القانون وسيادته وجعل العدالة انتقائية ، الوطنية لا تقبل أن يكون بناء الأوطان على جثث أبناءها


الوطنية الحقيقية أن تعيش لبنى وطنك وتقدم مصلحة العموم على مصلحة الذات ، الوطنية هى أن تبذل عظيم جهدك من أجل تغيير حياة الناس حولك إلى الأفضل ، الوطنية هى نضالك من أجل إقامة العدل ورفع الظلم ، الوطنية هى حرقتك على الفجوة الاجتماعية التى تسحق الفقراء وسعيك لتحقيق العدالة الاجتماعية التى تحقق تكافوء الفرص وتضمن التوزيع العادل للثروة ، الوطنية هى تقديسك لحقوق الانسان ورفضك لإنتهاكها أيا كان الضحية ، الوطنية هى إيمانك بسيادة القانون الذى يحمى المجتمع من التحول إلى غابة ينهش فيها القوى الضعيف ويأخذ كل فرد فيه حقه بيديه ، الوطنية ألا تصفق للاستبداد ولا تركع له ولو كان الثمن هو روحك


ليس الوطني الحقيقي من يظهرعند الرخاء والأمن على نفسه وإذا جد الجد اختفى أو مارس خطيئة الصمت وإنما تظهر الوطنية فى الثبات عند المحن وتحمل الإيذاء ودفع الثمن من أجل ألا يدين الناس بدين الاستبداد وما اختار الله فى ظله من يجهر بالحق عند سلطان جائر إلا لمشقة ذلك وصعوبته ، فالمحن والانتقام والابتلاء والضيق يزيد الوطنىّ إصرارا على استكمال طريقه وتبليغ رسالته ونشر فكرته ، وإن صم الناس آذانهم حينا عن هذه الفكرة فسرعان ما تدور الأيام ويرجعون إليك يتبعون خطوك ويلتمسون أثرك لأنك تعمل لصالحهم



إذا أُصبت في مالك أو نفسك أو أهلك فاعلم أنك على الطريق الصحيح وهذه علامة صحته والوطنية الحقة دربها يدمى الأقدام ويحرق القلوب ، فلا تبالى بتجار الوطنية المختلة ولا تعبأ بهم فهم ساقطون لا محالة طال الزمان أو قصُر


تمسك بمبادئك ولا تحد عنها أو تساوم عليها ، تجلد وتحمل تبعات ثباتك فبعد الثبات ينجلى الظلام ويستفيق الناس ، لا تيأس ولا تنكسر فكلما ازدادت شدة الظلام كلما كان الفجر على بعد خطوات منك ، وطنك يستحق أن تصبر لأجله وهؤلاء المساكين الذين أغشيت عيونهم لا تكفر بهم ولا تلعنهم فهم ضحايا يستحقون الصبر وأنت طبيبهم والطبيب لا يمل مريضه ، لا تجزع لكثرة المتساقطين حولك فأنت ستكمل الدرب ولو صرت وحدك


هذه وطنيتك وطنية الصدق والوفاء والصبر والثبات فما أعظم وطنيتك وما أروع انتماءك ، طوبى لمن فهم الوطنية كما ينبغى وسحقا لمن ابتذل الوطنية وشوهها


(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ )


مصر العربية

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -