مع بدء المفاوضات حول النووي الإيراني وإبرام الاتفاق الجزئي بين إيران والدول(5+1) حول تخفيض برنامج النووي الإيراني في مقابل تخفيض العقوبات الاقتصادية جزئيًّاً على إيران، ومع تكرار الجلوس حول المائدة للوصول لاتفاق بشكل كلِّي ينهي الأزمة التي طالما أرقت المنطقة والعالم بشكل عام، ومع توقع الوصول لاتفاق كلِّي حسب بعض تصريحات مسئولين إيرانيين من أنهم يأملون التوصل للاتفاق، وبين بعض تصريحات مسئولين في الدول (5+1)، فإن من شأن حدوث مثل هذا الاتفاق أن يغير الخريطة السياسية في المنطقة؛ حيث نرصد هنا أبرز هذه التغيرات.

اتجهت الولايات المتحدة خلال الشهور الأخيرة للتوافق مع إيران، وقد تحدثت عدة تقارير عن لقاءات جمعت بين مسئولين استخباراتيين من البلدين حتى قبل اتفاق النووي في نوفمبر 2013، وحسب بعض المحللين فإن الولايات المتحدة تسعى لتغيير حلفائها بالمنطقة للتفرغ والتوجه للشرق؛ حيث الصين وكوريا الشمالية وبعض القضايا العالقة هناك، وتحدثت التقارير عن حليف مشترك للولايات المتحدة تركيا/ إيران بدلاً عن الحليف القوي التقليدي السعودية/ إسرائيل.

اقتباس: “إذا تحققت مثل هذه التحليلات والتوقعات وأصبحت إيران – ومن ثمَّ تركيا – الحليفتين الأهم للولايات المتحدة فإن من المنتظر أن تتغير الخريطة السياسية والإستراتيجية للمنطقة بشكلٍ كامل”.

التجارة في المنطقة
تمتلك إيران 9% من احتياطي النفط العالمي إضافة إلى امتلاكها قاعدة صناعية عريضة، ويمثل النفط والغاز لدى إيران أحد أهم العوامل والمؤثرات في الاتفاق النووي؛ حيث إن الاتفاق النووي من طبيعته أن يؤدي إلى اتفاقات بين إيران والشركات العالمية أمثال شل وموبيل، وفي هذا السياق تقول إيران إنها تسعى إلى إعادة سبع شركات طاقة هي شل وتوتال وإيني وأو.أم.في وشتات أويل من أوروبا وإكسون موبيل وكونوكو فيلبس الأمريكيتين.

وحسب تقارير فإن روسيا والصين تسعيان لعقد اتفاقات بالنسبة للنفط والغاز قبل وصول الشركات الأوروبية والأمريكية الكبرى.

وفي سياقٍ آخر؛ يُعتبر قطاع السيارات في إيران أحد أهم القطاعات بالنسبة للمستثمرين على المدى القصير، وكانت بيجو ورينو الفرنسيتان قد شاركتا في مؤتمر لصناعة السيارات في إيران في نوفمبر الماضي، إضافة إلى مجالات الأغذية والصناعات الدوائية.

وحسب خبراء اقتصاديين فإن رفع العقوبات عن إيران من شأنه أن يعيد ترتيب ملامح خريطة الاستثمار في المنطقة بكاملها، وستنتقل الاستثمارات الأجنبية الموجودة بالسعودية وتركيا وروسيا إلى إيران.


وحسب بعض التقديرات فإن انفتاح الاقتصاد الإيراني – المرهون باتفاق النووي – يعني جذب استثمارات إلى إيران تتراوح بين 600 و 800 مليار دولار خلال العقد المقبل.

إيران: شرطيّ المنطقة؟
حسب محللين فإن الجمهورية الإسلامية تسعى لاستعادة دورها قبل قيام الثورة؛ حيث إن الولايات المتحدة نصَّبَت الشاه رضا بهلوي شرطيًّا في المنطقة، وبدأ الشاه في بناء ترسانته النووية، التي توقفت بعد قيام الثورة وقامت قيادة الثورة باستئنافها بعد ذلك.

إلا أنَّ البعض من المحللين يستبعد هذا؛ حيث إن بلدان الخليج لم تعد نفس البلدان الضعيفة ذاتها منذُ خمسين عامًا؛ حيث إن السعودية تتمتع بجيش قوي يعتبر المستورد الأهم للسلاح الأمريكي في المنطقة، كذلك فإن بقية البلدان تعتمد بشكل أساسي على النفط – الذي تحتاجه أمريكا وأوروبا بشدة – واعتماد الغرب على نفط الخليج ورقة رابحة لبلدان الخليج.


وإذا تم التوصل لاتفاق نهائي مع إيران وتم رفع العقوبات الاقتصادية، فإنَّ فرص كونها شرطيًّا للمنطقة ترتفع، إلا أن وجود منافس قوي لها كالسعودية يقلل من نسب هذه التوقعات، وحسب بعض التقارير فإن إيران إذا امتلكت سلاحًا نوويًّا واستخدمته كورقة ضغط، فإن السعودية على استعداد أن تشتري سلاحًا نوويًّا من حليفتها باكستان – التي تعتبر أحد أهم حلفاء السعودية -.

إيران ودول الخليج
تتسم علاقة إيران بدول الخليج بتوتر دائم، ناتج عن عدة قضايا، فبخلاف قضية التنافس على النفوذ في المنطقة بين إيران والسعودية، هناك عدة ملفات؛ حيث مشكلة الثلاث جزر المختلف عليها بين إيران والإمارات، إضافةً إلى ملف البحرين، والتحرك الشيعي هناك والذي تربطه البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي بأصابع إيرانية تتحرك داخل البحرينْ، إضافةً إلى الملف الديني والذي يؤثر بشكلٍ مباشر في كلِّ الملفات السابقة.

في الزيارة الأولي للرئيس روحاني إلى سلطنة عمان الأسبوع الماضي تم الاتفاق بين البلدين على تصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًّا إلى سلطنة عمان، في صفقة تتضمن أيضًا بناء خط أنابيب عبر الخليج بتكلفة قدرها نحو مليار دولار، وفي السياق نفسه كانت الإمارات قد رحبت بالاتفاق المبدئي حول النووي الإيراني، وتظل المشكلة الأكبر في ردة فعل السعودية التي كانت أكثر دول المنطقة – إلى جانب إسرائيل – تحفظًا على الاتفاق المبدئي، وفي نفس السياق؛ فإن إيران قد اتخذت عدة خطوات لتطمين دول الخليج ومحاولة فتح قنوات اتصال بينها وبين بقية دول الخليج، حسب محللين.

الملف السوري
كما اعتبرت بعض التحليلات أن روسيا قد أحرزت انتصارًا على الولايات المتحدة في سوريا، فإن تحليلات أخرى قد اعتبرت أيضًا أن إيران قد أحرزت انتصارًا على السعودية في نفس الملفّ، فالوجود الإيراني داخل سوريا والعراق أحد أهم الملفات التي لو تم إلغاء العقوبات على إيران سيتغير تعامل المجتمع الدولي معها.

بالنسبة للملف السوري، ربما يشهد مفاوضات أخرى أكبر ومحاولة لاحتواء الحراك العسكري، إذ أن إيران، حسب التقارير، لن تتخلى عن نظام الأسد، بل عن شخص الأسد -كما صرح أحد المسؤولين الإيرانيين بذلك من قبل-.

وأكدت العديد من التقارير أن مدير عمليات النظام السوري داخل سوريا هو قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وحسب تصريحات سليماني فإن لبنان والعراق أيضًا يعتبران الحديقة الخلفية لإيران، وأثارت تصريحات سليماني عن الوجود الإيراني في العراق ولبنان وسوريا العديد من الاعتراضات من المجتمع الدولي إلا أن النظام في إيران لم يأبه بالاعتراضات ولم يردّ.
وحسب صحيفة الجارديان فإن “عصائب أهل الحق” في العراق ما هي إلا أحد جيوب إيران في العراق، وحسب الصحيفة، فإن مسئولين عراقيين، يعتقدون أن الحركة تتلقى ما بين 1.5 و2 مليون دولار شهريًّا من إيران.

إسرائيل
اتهامات وتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ضد إيران وضد الإتفاق النووي الإيراني يعتبر مؤشرًا قويًّا على ردة فعل إسرائيل، فحسب التصريحات العديدة لنتنياهو فإن النظام الإيراني فقط هو المستفيد من الاتفاق، بينما تنازلت الدول (5+1) ولن تحقق استفادة كاستفادة النظام الإيراني، وأعلن نتنياهو الأسبوع الماضي أيضًا عن وقوع سفينة إيرانية محملة بالأسلحة إلى قطاع غزة في يد القوات العسكرية الإسرائيلية، وبينما نفت طهران فقد نشرت إسرائيل صورًا من السفينة.

تعتبر علاقة اسرائيل بإيران أحد أهم الملفات التي ستكون مطروحة بشدة إذا تم اتفاق نهائي حول نووي إيران، فهل ستتعامل إسرائيل مع إيران؟ وهل سيتعامل نظام إيران مع إسرائيل؟ أم أن العلاقة بينهما ستكون بينَ شدٍ وجذب أم أنها لن تخرج عن إطار العدائية؟ خصوصًا أن اسرائيل تريد أن تظل الوحيدة في المنطقة التي تمتلك سلاحًا نوويًّا.

روسيا
العلاقات الروسية الإيرانية ليست فقط من خلال تصدير إيران للنفط والغاز إلى روسيا، ولكن تمتد العلاقة بينهما في ملفات ربما تكون أكثر أهمية، الملف السوري كمثال؛ حيث تعتبر موسكو وطهران أهم حلفاء نظام الأسدْ، وإضافةً إلى الملف السوري فإنَّ روسيا هي التي قامت على بناء محطة بوشهر النووية في إيرانْ، وأعلن مسئول إيراني التوصل إلى اتفاق مبدئي حول بناء محطتين آخريين تقوم روسيا على بنائهما.

مع تصاعد حدة الخلاف والتوتر بين الولايات المتحدة وروسيا بسبب أزمتي سوريا وأوكرانيا، فوصول الدول الكبرى – التي تعتبر روسيا أحدها – إلى اتفاق كليّ ورفع للعقوبات عن إيران من شأنه أن يصعد حدة الخلاف، أو من شأنه أن يجعل التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا على النفوذ في المنطقة متصاعدًا، إذ لن تكون روسيا حليفة لنظام الأسد وفقط، بل إن تحالفاتها مع إيران ستكون أكثر توطدًا، فروسيا تعتبر القناة الوحيدة المفتوحة لطهران لبناء مفاعلات نووية – وإن بشكل سلمي – وإيران تعتبر أحد أهم منافذ تصدير الغاز والنفط لروسيا، إضافةً إلى التوازن الإقليمي الذي من شأنه أن تلعبهُ إيران بالتنافس مع دول أخرى ذات أهمية كالسعودية.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -