في منتصف عام 2005 تلقيت اتصالا هاتفيا دوليا من إنجلترا، وعلى الخط الآخر: أهلا بك اسمي... وأعمل في فريق إدارة الموارد البشرية بشركة Google، ظهرت على وجهي علامات فرحة لابد أنها قد ظهرت للمتحدثة على الطرف الآخر بسبب نبرة صوتي التي تغيرت فجأة، وكيف لا أفرح فالشركة هي المصنّفة رقم 1 على العالم ضمن شركات الإنترنت وأيضا في الشركات التي تحترم موظفيها والوظيفة التي أحاول الحصول عليها هي المدير الإقليمي للشركة في العالم العربي.
سألني بعض أصدقائي وقتها حين أخبرتهم عن تلك المكالمة السعيدة عن الواسطة التي اعتمدت عليها للحصول على هذه الفرصة الفريدة للانضمام لشركة بحجمGoogle، كنت أرد مبتسما: واسطتي كانت: لوحة مفاتيح، وكابل إنترنت.
الموظفة قالت لي: خلال الأيام القادمة سنبدأ معك مجموعة من المقابلات مع بعض مديري الشركة في فروعها المختلفة، ينبغي عليك قبل البدء في هذه المقابلات قراءة المزيد عن الشركة والتعرف على منتجاتها وسياساتها، كن مستعداً وأتمنى لك التوفيق.
لم أكن في حاجة لأقرأ شيئا عن الشركة، فأنا أتابع باهتمام نشاطها وأعرف كل منتجات الشركة تمام المعرفة وأستخدم أغلبها، بل أقرأ سنويا ميزانيتها وأعرف حجم مبيعاتها ومصروفاتها، عشقي للشركة لم يكن سوى تقدير لدورها في توفير المعلومات للبشرية، فكر قليلا كيف كان جدّى وجدّك يبحثوان عن أي معلومة يحتاجانها وكم وقتا يستغرقانه فى ذلك، فكر قليلا ماذا كنا سنفعل دون الإنترنت وشركاتها، خاصة تلك الشركة المبدعة؟
بدأت المقابلات، كانت متعة فى حد ذاتها أن تتحاور مع عقول بشرية متميزة من مختلف دول العالم
في المقابلة الثالثة قيل لي: "دعنى أحدثك بصراحة أعتقد أن خبرتك العملية أقل من الخبرة المطلوبة لتلك الوظيفة، فنحن نبحث عمن سيكون مديرا إقليميا للشركة في العالم العربي وسيكون دوره إنشاء فروع الشركة في المنطقة، وأنت خريج عام 2004، ولكنني لا أستطيع إنكار أن أداءك في المقابلة يحمسني إلى كتابة توصية باستمرارك في المقابلات، أتمنى لك التوفيق"...
اتصلت بى مسؤولة الموارد البشرية مرة أخرى بعد المقابلة الثامنة وقالت: "أنت تُبلى بلاء رائعا، المقابلة القادمة ستكون مع نائب رئيس الشركة في منطقة أوروبا والشرق الأوسط".
كانت أصعب مقابلة، وتلقيت فيها أسئلة لم يكن لديّ لها أى إجابات. بعد المقابلة بأسبوع، وصلتني رسالة: "نعتذر لك، حيث إنه وبعد دراسة النتيجة النهائية لمقابلاتك وجدنا أنك لست الشخص المناسب لهذه الوظيفة، حيث إنها تتطلب خبرة في عدة مجالات تفتقد فيها الخبرة وكان هناك من هو أفضل منك وقد نال بالفعل الوظيفة، نتمنى لك التوفيق فى حياتك العملية".
برغم الحزن والاكتئاب الذي حلّ عليّ بعد هذه الرسالة، قلت لزوجتى: "خسرت الجولة ولكنني لم أخسر الفرصة."

خلال السنوات الثلاث من ٢٠٠٥ إلى ٢٠٠٨ منذ محاولتي الأولى للالتحاق بالشركة تغيّرت حياتي كثيرا وقبلت التحدي وقررت أن أحصل على هذه الوظيفة مهما كان الجهد الذى يحتاجه ذلك، على المستوى العملي فقد انتقلت في نهاية ٢٠٠٥ من عملي في شركة لتقنيات البريد الإلكتروني إلى العمل في المجموعة الوطنية للتقنية مديرا تنفيذيا مهمّتي الأساسية هي إنشاء شركة جديدة في المجموعة تُطلق ما هو الآن واحدا من أكبر المواقع الاقتصادية العربية على شبكة الإنترنت.

كما أنني بفضل من الله استطعت اجتياز أحد التحديات الصعبة التي قررت خوضها، وهي انتهائي من دراسة ماجستير إدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية بتقدير 4.0 وهو أعلى تقدير في نظام التعليم الأمريكي، ولم تتوقف جهودي لتحسين قدراتي وتعلم كل جديد واكتشافه حتى تصبح مؤهلاتي كافية، ومرت الأيام وفي يونيو 2008 سألني موظف جوازات مطار هيثرو: ما سبب زيارتك للمملكة المتحدة؟

أخبرته بأنني هنا بغرض إجراء مقابلة للتوظيف وأنني سأمكث في لندن ثلاثة أيام فقط، سألني عن الشركة فأخبرته بحماس بدا واضحا من صوتي."Google" ردد موظف الجوازات اسم الشركة مرة أخرى باهتمام، ثم ابتسم قائلا: هذا هو محرك البحث المفضل لديّ وقرأت كثيرا عن جو العمل الرائع في الشركة. سألني عن الوظيفة التي تقدمت لها وبعد استماعه لإجابتي أبدى اندهاشه أن الوظيفة هي مدير إقليمي للتسويق في المنطقة العربية، قائلا بأبويّة: "إنت مواليد ١٩٨٠ ما زلت صغيرا على مهنة مدير إقليمي! لم أعلم أن Google تقوم بتوظيف الشباب الصغير مديرين "فقلت له مبتسما: "العالم يتغير".

كانت مشاعر السعادة الممزوجة بالقلق والخوف من الهزيمة مرة أخرى تغمرني، كيف لا فأنا على بُعد خطوات قليلة من إمكانية تحقيق إنجاز طالما حلمت به لسنوات طويلة. أسترجع بذاكرتي أثناء رحلتي القصيرة من المترو إلى الفندق كل ما حدث في المقابلات السابقة، وأذكر نفسي بأهمية التركيز وإظهار الاتزان أثناء المقابلات المصيرية القادمة وتلافي الأخطاء التي وقعت فيها سابقا. كانت تلك هي المرة الرابعة التي أتقدم فيها لوظيفة في شركة Google ، ولكن هذه المرة كان الأمر مختلفا، فقد اجتزت كل المقابلات الهاتفية بنجاح وأصبحت في المرحلة النهائية. في كل مرة سابقة رفضت الشركة قبولي موظفا لديها كان السبب الرئيسي هو أن الخبرة المطلوبة في الوظيفة لا تُناسب خبرتي العملية. كنت أقول لزوجتي بلغة المزاح الممزوج بالجد: لن أتوقف عن محاولة العمل في Google إلى أن أحصل على عرض وظيفة منهم ثم يكون لي القرار في قبوله أو رفضه. الأمر كان أكبر من مجرد تقدم شخص لوظيفة في شركة، كان الأمر برمته تحديا للذات وعدم الاستسلام وقبول الهزيمة.

هذا ما كتبه وائل غنيم عن رحلته المهنية المثيرة وحصل صاحبنا أخيرا على وظيفة المدير الإقليمى للتسويق لشركة جوجل فى العالم العربى بعد أن بذل كل جهد يستطيعه ليثبت جدارته والتى تأكدت بالفعل للدرجة التى صار المديرون بالشركة يتبادلون إيميلات تحفيزية مع موظفيهم يحكون فيها عن إنجازاته وأفكاره كنموذج للنجاح والإبداع.

وائل الذي لم يتجاوز عمره 33 سنة نشرت مجلة (fortune) وهي أشهر مجلة عالمية في مجال البيزنس خبراعن انضمامه منذ عدة أيام إلى جوجل فينتشرز (Google Ventures)، وهى إحدى كبريات المؤسسات التي تستثمر في الشركات الناشئة والأفكار الجديدة والتى تساعد رواد الأعمال على بدء مشاريعهم مقابل نسبة من أرباح هذه الشركات فيما بعد.

قرار شركة جوجل منح وائل غنيم هذه الفرصة جاء بعد قراره إنهاء عمله فى الشركة للتفرغ لبدء مشروع جديد وفكرة جديدة قد يستفيد منها ملايين البشر، ولأن إدارة الشركة تعلم مدى كفاءة هذا الشاب المصري وإبداعه وتثق بأن مشروعه الجديد سينجح عالميا فقد أصرت على أن تتبنى المشروع وصاحبه رغم صغر سنه.

وبينما ينجح وائل غنيم مهنيا على مستوى العالم وتصفه كبرى المجلات العالمية بالمصري المبدع يصر إعلام بقايا دولة مبارك على أنه عميل وخائن هو وزملاءه ممن كانوا شرارة لاندلاع ثورة يناير وفتح باب الحرية ويطاردونهم بالتشويه والتخوين والاغتيال المعنوي.

صدق من قال (لا كرامة لنبي في وطنه) وبالطبع وائل غنيم ليس نبيا ولكنه شاب مصري نابغ يعشق هذا الوطن وضحى من أجل حريته لكنه يدفع ثمن محاولات تجريم الثورة وتصويرها على أنها مؤامرة وعقاب أبنائها واغتيالهم، بالاضافة إلى أن بلادنا طاردة للكفاءات بشكل عام بدليل آلاف العقول المهاجرة التي يستفيد منها العالم ولا تستفيد منها مصر.

إذا كنتم تريدون أن تبدأ مصر عهدا جديدا تتوقف فيه الحماقات وتتصالح فيه الدولة مع الشباب فأوقفوا حملات الإفك والانتقام والاغتيال المعنوي وأخرجوهم من السجون وأعطوا هذا الجيل حقه وكفاكم استعداء له، هذا جيل يعشق الوطن ولديه الرغبة في جعل بلاده تتقدم للمستقبل الذي يحلم به الجميع.

نريد استعادة هذه العقول وتنمية الوطن بها، نريد لهذه الكفاءات أن توظف في بلادها لتقودنا إلى المستقبل لا نريدهم هاربين ولا محبطين ولا مصدومين مما يحاك لهم ويشوهون به من خفافيش الظلام التي لا تريد الخير لهذا الوطن، وكل ما تفعله باسم الوطنية الزائفة هو حرق للمستقبل وإصرار على إبقائنا في دائرة الجهل والخرافة.

هل يبدأ عصر جديد يتم فيه تصحيح أخطاء الماضي؟ أم نستمر كما نحن نقتل مستقبلنا بأيدينا ونسلم الوطن لأصوات الجهل والكراهية؟ المستقبل سيأتي بالعلم لا الخرافة، والأمل سيتحقق بالحرية لا القيود، والاستقرار يتحقق بالعدل لا سواه، فإلى أين نمضي وماذا نختار؟

https://twitter.com/alnagar80

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -