أحد أهم أحلامي في هذه الدنيا أن أسافر الكويت في شهر رمضان.
لا. لا يتعلق الأمر برغبتي في العمل هناك ولا زيارة أحد الأقارب ولا حتى التسوق، لكن بحلم قديم ومستمر بأن أصلي التراويح في العشر الأواخر خلف الشيخ مشاري بن راشد العفاسي.
البداية كانت عام 2001، عندما منحني أحد الزملاء شريط كاسيت للشيخ مشاري، لم أكن أعرف الاسم حينها ولذلك طلبت بدلا منه شريطا للشيخ عبد الباسط عبد الصمد لكنه أصر على أن أسمع هذا الشريط أولا.
أخذت الشريط بدافع الإحراج ليس إلا، ذهبت إلى المنزل وضعته على الكاسيت ولم أكن أنوي تشغيله، عزمت على إعادة الشريط له بعد يومين دون أن أسمعه مع ترديد كلمتي إطراء على الشيخ المجهول على مسامعه حتى يمنحني بعضا من مجموعة الشيخ عبد الباسط التي جاء بها والده كاملة من السعودية.
الفضول وحده جعلني أضع الشريط في الكاسيت وأضغط على زر التشغيل، ومع أول ضغطة سافرت مع الشيخ إلى عوالم لم تطأها قدماي من قبل، فيها سلام نفسي وأصوات عصافير الجنة وألوان بيضاء وخضراء وماء يجري وناس متحابون على سرر متقابلون.
ما هذا الصوت يا شيخ؟ ما هذا الصدق الصدق البادي في كل حرف وكلمة؟ وما هذه الحالة التي أدخلتني فيها لأول مرة على كثرة ما قرأت القرآن وسمعته؟
كان الشريط لسورة "آل عمران"، وكانت تلاوة مشاري تجعلني أتنقل بين الخوف والأمل والرجاء والاستبشار كلما تنقل بين الآيات والحالات، يقول "تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ" فأحب حب الله لي وأستبشر بحرصه على أن أعمل عملا ينفعني، يقول "وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ" فتأخذني رهبة من لحظة فراقي المحتومة لهذه الدنيا وقلة حيلتي حينها وأملي في رحمة ربي، يقول "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلّونَ" فأتخيل مصير هؤلاء الضالون وأخشى أن أكون واحدا منهم.
كانت هذه بداية رحلتي مع الشيخ مشاري راشد التي لا يبدو أنه سيكون لها نهاية إلا بنهاية وجودي على هذه الأرض، وبعدها رافقني الشيخ في كل مراحل حياتي، كان معي عندما اشتريت الـ"ووكمان" لأول مرة، كان صوته أول شيء سمعته على الـ"mp3"، عندما أردت إدخال البركة إلى بيتي قبل أن تدخله زوجتي بساعات كان حاضرا، عندما أردت تشغيل القرآن بجوار ابني بعد دقائق من ولادته كان من تلاوته، وعندما اشتريت السيارة كان أول هو صوت صدع في سماعاتها.
مازلت حتى الآن أقتفي أثر مشاري على اليوتيوب والساوند كلاود، أدخل اسمه في محرك البحث لأجد ملايين النتائج فأعرف أنني لست وحدي مغرما بصوته، حتى لقاءاته التليفزيونية سمعتها كلها، فنظرته إلى الأسفل وترفقه في الحديث وابتسامته المحببة أسباب إضافية تدفعك لحبه واحترامه.
أناشيده كلها دعوة للتراحم والمودة والتوحد ونبذ الخلاف والعنف، حتى أنه وجه سؤالا منطقيا يغني عن مجلدات كاملة لمن يفجر الناس ويقتل الأبرياء في أحد أنشوداته قائلا: "انت مين وضد مين؟ لا مشاعر لا مشاعر لا بصر. نبت شيطان وظهر غفلة واحنا ساجدين. من عدوك. شيخ شايب أو طفل أو قلب أمك؟".
لم أقابل مشاري راشد من قبل وربما لا أقابله، لكن ليبلغه من يعرفه منكم أني أحبه، وأنتظر أن أصلي خلفه يوما ما، إن لم يكن في الدنيا، ففي الجنة على مقربة من رب أحبه فيه.

0 التعليقات:
Post a Comment