كل النظم الديموقراطية تقوم بها السلطة التشريعية بدور الرقابة على السلطة التنفيذية التى يجلس على رأسها رئيس الجمهورية فى النظم الرئاسية أو شبه الرئاسية ، لكن فى مصر المحروسة انطلقت نخبة سياسية جديدة تعيد تركيب العلاقة بين رئيس السلطة التنفيذية وبين البرلمان حيث قرروا أنهم سيخوضون انتخابات البرلمان ليشكلوا ظهيرا للرئيس بدلا من أن يقوموا بالرقابة عليه وعلى السلطة التنفيذية ككل، تنفيذا للهدف الذى سينتخبهم الشعب لتحقيقه ليكونوا نوابا عنه

كلمة ( ظهير ) فى اللغة تعنى العَون و المُدافع القوى عن الشىء أو الشخص الذى يكون ظهيرا له ، ولذلك فالسادة المبهرين الذين قرروا ابهارنا يعلنون للشعب أنهم سيدخلون البرلمان ليدافعوا عن الرئيس ويكونون ظهره فى مواجهة من ؟ الإجابة فى مواجهة الشعب !

يحضرنى هنا من صفحات التاريخ القريب بدايات القرن العشرين التى شهدت قيام ديموقراطية نسبية فى مصر رغم النظام الملكى وظروف الاحتلال حيث استطاع دعاة الديموقراطية إقامة مؤسسات دستورية مكنت الشعب من ممارسة حقوقه السياسية ومكنت نواب الشعب من فرض الرقابة الكاملة على السلطة التنفيذية

عرف شعبنا معنى أن يكون له نواب حقيقيون يمثلونه ويدافعون عن مصالحه قبل ثمانين عام ويذكر التاريخ الذى ننساه أن الزعيم سعد زغلول حين كان رئيسا لمجلس النواب وطلب الملك فؤاد فتح اعتماد مالى كبير لرحلة خاصة وشخصية للنزهة والترفيه فى أوروبا فأبلغ عبد الخالق ثروت باشا - وكان رئيسا للوزراء - رئيس مجلس النواب الزعيم سعد زغلول برغبة الملك فانتفض سعد وقال له ( حول طلب الملك للبرلمان وليحكم نواب الشعب بما يريده الشعب ) ورفض مجلس النواب طلب الملك بالاجماع وقال : الشعب أولى من الملك

وعلى نفس الخطى سار الزعيم مصطفى النحاس منتصب الهامة مستقويا بالشعب وسجل التاريخ كلماته الخالدة التى زأر بها متحديا جبروت الملك (إذا كان هناك من يضع نفسه فوق الشعب فليعلم أن الشعب قادر على أن يرده إلى مكانه الصغير وحيزه الضيق ، وإذا كان هناك من يظن بقوة الشعب ظن السوء فقد خاب فأله وطاش سهمه )

أما العظيم (مكرم عبيد ) خطيب الأمة المصرية وسوطها ضد جلاديها فلا ينسى التاريخ كيف دافع عن الشعب فى وجه حكامه وأذكر من إحدى خطبه ( إذا كان الشعب يبنى والسيد الكبير يهدم ، واذا كان الشعب يطلب والسيد الكبير يتأبى ويحجم .. فكل آت قريب ، وليعلم السيد الكبير أن الأمة فى زحفها لا تسعى كما يتوهمون إلى حتفها ، وإذا طابت فى حلوقهم اليوم دموع الشعب وأطربهم أنينه، فغدا يفاجئهم صهيله ورنينه .. وإنى لأقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق ، ليضحكن كثيرا من يضحك أخيرا )

أستدعى هذه النماذج من تاريخنا القريب لندرك مدى نكبتنا فى نخبتنا ولندرك الفارق بين من مثلوا الشعب المصرى بحق وبين من يريدون تمثيله اليوم وهم يقدمون أنفسهم من البداية كخلصاء السلطان وحاشيته وأنصاره

نحن بالطبع لا نريد صداما ولا شقاقا بين السلطة التشريعية وبين السلطة التنفيذية ولا نرضى أن يكون دور المعارضة هو التربص بأى رئيس ومحاولة إفشاله ، لكن فى المقابل لا نرضى ولا نقبل أن تتماهى الأدوار وتتمازج الصلاحيات لينتج عنها نظاما سياسيا استبداديا يرتع فى البلاد بلا حساب ويحول البرلمان أداة الرقابة الأولى للشعب إلى مجلس يسبح بحمد الحاكم ويشيد بحكمته وعبقريته وترتفع فيه الأيادى بالموافقة دائما لأن من يريدون تمثيل الشعب يقولون نحن نريد دخول البرلمان لنكون ظهيرا للرئيس !

الفرز الذى حدث خلال السنوات القليلة الماضية صار واضحا لكل ذى عينين والناس تستطيع الحكم على من تخلوا عن مبادئهم ومن تمسكوا بها ، الناس تستطيع الحكم والاختيار على من يدًعون الخوف على مصلحتهم وعلى من يدفعون الثمن حتى لا تتغير مواقفهم الداعمة للديموقراطية والمناصرة لأمال الشعب فى حياة ديموقراطية سليمة وليست ديكورية

كل يدفع ثمن اختياره ولا أحد يتحمل مسئولية اختيار أحد ، فليختار الناس ما يريدونه وليتحملوا مسئولية اختيارهم فى حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبناءهم

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -