في المشهد الانتخابي الزائف أيام 26 و27 و28 من مايو لابد وأن نتوقف عند أربعة أمور يجب إعادة الاعتبار لها تتمثل في ثورة قال الناس أنها ضاعت أو فشلت، وعن شعب وصفه الناس بكل الصفات السلبية، وعن الشباب الذي توجهت إليه سهام النقد من كل جانب، وعن الحالة الاصطفافية في ثورة يناير التي تحدث الناس عنها بأنها قد انتهت وولت وحل محلها الشقاق والانقسام، وتحكم في كل الأمور بيئة من الفوضى والفرقة والاستقطاب، المشهد الانتخابي وما آل إليه كان من أهم المؤشرات الدافعة إلى ضرورات إعادة الاعتبار لهذا المربع المهم في هذا السياق لتعبر تلك الأضلاع الأربعة عن حالة فاعلية سياسية محتملة لو أحسن استثمارها ولو استطعنا أن نمكن لاصطفافها، ونؤسس لقدراتها ونستثمر كل طاقاتها، إن رؤية واضحة لهذه الرباعية إنما تشكل حالة استراتيجية من الأهمية أن نتوقف عندها لاستعادة ثورة الخامس والعشرين من يناير وكذا استعادة المسار الديمقراطي بما يؤكد على ضرورات كسر الانقلاب واندحاره.


اصطف المربع الجهنمي في مهزلة انتخابية ومسرحية هزلية في إطار يجمع بين مؤسسة عسكرية طامحة وطامعة ولدت فاشية عسكرية، وفي مؤسسة أمنية تتعامل مع الشعب بكل أنواع القمع والإهانة والاستهانة كدولة قمعية بوليسية، ومؤسسة العدالة التي مكنت لذلك القمع بأشكال مختلفة وأصدرت أحكام إعدام باستهانة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نشير فيها مسارات العدل والإنصاف، وعن إعلام مضلل تاجر وفاجر مارس كل أنواع التضليل والتزييف وغسيل المخ الجماعي إذ مثل في كل الأحوال مربع يشكل الفاعل الحقيقي في سرقة الثورة المصرية الحقيقية من مؤسسات الاستبداد وشبكات الفساد ودولة المصالح العميقة والتي اصطفت في حادث الثورة المضادة لاحتواء هذه الثورة ومحاصرتها ومحاولة تشويهها بل والقضاء عليها.



ومن قلب التفسيرات لما حدث إبان تلك الانتخابات في محاولة للتعرف على الأسباب الحقيقية لتلك المقاطعة الشعبية بكل صورها في عملية انتخابية استمرت لثلاث أيام مما اضطر النظام إلى ممارسة عمليات تزوير فجة بدت للعيان خاصة في اليومين الثاني والثالث؛ وتراوحت التفسيرات بين الدولة العميقة التي تقوم بتقليم أظافر هذا الفرعون الجديد ولسان حالها يقول له "أنت لست وحدك، وأنك بعناصر الدولة العميقة تفوز وتبقى" إنها محاولة من هؤلاء ليس فقط لاثبات أدوارهم ولكن لتحقيق مآربهم ومصالحهم ضمن عملية تتطلب من الفرعون الجديد تسديد كافة الفواتير لهذه القوى التي تحالفت معه وتستطيع أن تضر بمقامه ومكانه؛ كانت هذه الرسالة ضمن هذا التفسير الذي يتعلق بالدولة العميقة وبدى للبعض يتحدث كذلك عن تفسير مصاحب يتعلق بالتفسير بالمؤامرة التي يشير ومن كل طريق إلى مؤامرة من الشعب في إطار هذه المقاطعة التي كانت بادية واضحة وهو ما جعل الإعلام المصري بكل فضائياته يمارس حالة من الولولة والسب والهجاء لهذا الشعب المقاطع والتأكيد على مؤامرة لم تتوقع من جانب كل هؤلاء حيال رمزها الذي قدمته في العملية الانتخابية.

بينما تراوح التفسير لدى آخرين بين التفسير الفقاعي والذي يؤكد على أن الأمر الذي يتعلق بالسيسي لم يكن إلا فقاعة ما لبثت إلا أن تلاشت حيث قامت الأداة الإعلامية وفق عمليات تضليل متراكمة بصناعة المنقذ والزعيم من دون أي أرضية حقيقية وهو ما جعل تلك المقاطعة والممانعة والامتناع عمليات أبرزت حقيقة العلاقة بين الشعب والحالة الانقلابية التي أشار إلى عدم قيامه بالتفويض أو بإضفاء شرعية على وضع انقلابي اتسم بحال من الاغتصاب للسلطة والقمع في الأداء وانتهاك كل ما يتعلق بكرامة الإنسان؛ هذا التفسير الفقاعي كان لابد أن يشير ويصاحبه التفسير بالإرادة وهو أمر يجب أن نؤكد فيه على إرادة شعبية بازغة استطاعت أن تحقق رؤى تعبر عن حالة وعي فكري لتؤكد أن امتناعها هذه المرة لم يكن من قبيل اللامبالاة أو الانصراف ولكنه كان من قبيل المقاطعة الايجابية لأحوال انقلابية ومنظومة طغيانية؛ وهو أمر يؤكد على أن الإرادة هي بأيدي هذا الشعب لا تصادره لمصلحة الدولة العميقة وبما يؤكد رد اعتبار لتلك الإرادة الشعبية التي لا تعول كذلك على الدول الغربية ومواقفها ولكن كانت تلك الإرادة في لسان حالها يقول أن أزمتنا لا يمكن مواجهتها أو حلها دون أن ننمسك بأزمتنا وأن نمكن لإرادتنا.




إن العلاقة بين الانقلاب والانتخاب لم يكن في واقع الأمر إلا غطاء انتخابيا للفعل الانتخابي والاغتصاب العسكري في إطار ترشح فيه اثنان السفاح الذي قتل وحرق وخنق، والكومبارس الذي قبل أن يمرر أمرا يتعلق بعملية انتخابية زائفة وفي هذه الانتخابات التي ترشح فيها فقط اثنين فإن حمدين الكومبارس لم يكن إلا في المركز الرابع اذ تقع المقاطعة والممانعة في المركز الأول وباكتساح مع الأخذ في الاعتبار عملية التزوير الفجة التي حاولت تقليص المقاطعة وزيادرة المشاركة بدون وجه حق أو استحقاق، بينما يقع في المركز الثاني السيسي بما يمثله من مرشح دولة الفساد العميقة والثورة المضادة بكل عناصرها تمثيلا لمصالحها وتحالفاتها، أما المبطلون فكانوا في المركز الثالث ليعبروا عن حالة خطابية يبرزون فيها كيف هذه الانتخابات لم تمثل إلا "مسخرة" أو "مهزلة" وعبروا عن حال المهزلة تلك بتعليقات شديدة الدلالة أقل ما يقال عنها أنها لا تعترف بالعملية الانتخابية ولا مرشحيها ، وفي المركز الرابع في قاع الترتيب رغم أن المرشحين كانا اثنين قبع حمدين ليعبر عن أنه اتخذ مكانه في درك هذه المهزلة ليعبر عن حالة التزيين التي قام بها ودور الكومبارس الذي يجيده، وصار خطابه في تمرير موقفه وتمرير خسارته نموذجا للتناقض الرهيب معبرا عن اكتمال أركان هذه المهزلة إذ يقول "أنه فعل ذلك من أجل مستقبل مصر" رغم أنه أشار إلى حدوث تزوير أو عمليات أقل ما يقال فيها أنها تشكك في ذكاء هذا الشعب إلا أن هذا الاعتراف صاحبه متناقضا قبوله بالنتيجة والخسارة؛ أي مستقبل هذا لمصر الذي يدافع عنه حمدين بسكوته عن مشهد التزوير ومشاهد التغرير ليقدم بذلك نهاية لمساره السياسي وتبديد ما تبقى من رصيده التاريخي.



وفي رباعية أخرى لوصف هذه الانتخابات فإنه يمكن ملاحظة أن هذه الانتخابات ضمن عملية التضليل التي امتدت قد مثلت مسرحية هزلية حقيقية لمن ترشح فيها أدارتها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية وانتقلت من حالة الهزل إلى انتخابات الفضيحة ضمن عملية تزوير فاضحة وفجة لتعبر عن أخطر عملية تزوير في التاريخ تراكمت في يوم التمديد في إطار خارج القانون وخارج كل الأعراف في عمليات الانتخاب وتحول الأمر من الانتخابات الفضيحة إلى الانتخابات الكارثة في مآلاتها وآثارها؛ إذ عبرت كيف يمكن أن تواجه الدولة العميقة حالة المقاطعة الشعبية لعمل يؤكد على تشغيل كل شبكات الفساد وكل مؤسسات الاستبداد في أخطر تجمع للثورة المضادة لانقاذ ما يمكن إنقاذه لمواجهة الإرادة الشعبية فيما تعبر به عن مواقفها وعن اتجاهاتها إلا أن غاية الفجاجة في هذا تمثل في تلك الاحتفالات الزائفة في ميدان التحرير من قبل الأنصار المستأجرين الذين مارسوا أيضا الرقص في ميدان رابعة الذي يشكل شاهدا على مجزرة ارتكبها ذلك السفاح وقام بكل فعل لا يجعل منه مرشحا بل يجعل منه متهما ومجرما؛ وهو أمر يشير إلى ضرورة العودة إلى الميادين بكل تشكيلاتها لتعبر الإرادة الشعبية عن نفسها، وعن حقيقتها وتأثيرها.


وفي رباعية ما بعد الانتخابات انهارت أسطورة المنقذ البطل التي تمثلت في فقاعة ما لبثت إلا أن تلاشت وبرزت أسطورة أخرى تبددت وهي الإدعاء بأنه سيقوم بتسديد فواتير الوطن ولكنه في واقع أمره لن يسدد إلا فواتير أصحاب المصالح الذين تحالفوا معه والذين دفعوه إلى الواجهة في إطار عملية ممنهجة تمثلت في أركان دولة الفساد العميقة والثورة المضادة؛ وغاية الأمر كذلك فإن التعامل مع معاش الناس وهموهم والتحديات التي يواجهونها إنما تمثلت في تمرير ميزانية جديدة كلها تقوم إلى النيل من بعض مكاسب هذا الشعب التي استقرت وفي محاولة لتحميل الناس العبء الأكبر لأزمة اقتصادية طاحنة وإن كان البعض قد تحدث عن مشروع النهضة بالاستخفاف والسخرية إبان عهد الرئيس مرسي حتى أطلقوا عليه "مشروع الفنكوش" إلا أن الأمر في النهاية لم يولد من هذا الذي صوره بالمنقذ تمخض عن مشروع "اللنضة الموكوس"، وصار هذا البرنامج المعلن الذي يتراوح بين التهبيش والتكويش لتجمع أصحاب المصالح وما بين "معنديش" و"مفيش" قبل هذا الشعب وضرورات معاشه وتحديات واقعه،ويتوج ذلك بأسطورة المصالحة فلا يمكن لمن صنع المشكلة أن يسهم أو يقدر على حلها.



في النهاية لابد من خلال هذا الاستعراض أن نقدم أسمى درجات الاعتبار بتلك الرباعية التي بدأنا بها في ثورة لم تفشل ولن تنتهي وهي ثورة الخامس والعشرين من يناير والتي مثلت نموذجا مهما في سياق إعادة الاعتبار للشباب الواعد الذي قاطع ومانع وخلت طوابير الانتخابات منه بينما امتلأت طوابير الاحتجاج والمسيرات به ليعبر عن خياره في المقاومة وفي صياغة المستقبل الذي يريد، وكذلك تلك الحاضنة الشعبية التي تتمثل في ذلك الشعب المانع الذي رفض أن يضفي شرعية على منظومة انقلابية وأكد على وعي فطري يجب أن نحييه ونقف عنده بكل إجلال وتقدير وفي جوف هذه الثورة وشبابها وحاضنتها الشعبية يكون الاصطفاف هو العملية والثقافة التي تشكل بإمكاناتها وطاقاتها وفاعلياتها امكانية حقيقية لاستعادة ثورة 25 من يناير والوقوف في وجه الثورة المضادة بكل صفوفها ومصالحها لتعبر بذلك أن الثورة مستمرة، والشباب طاقة وفاعلية، والشعب حاضنة وطاقة ثورية؛ إنها الممانعة .. إنها المقاومة



0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -