الإخوان يكسبون التعاطف بسبب تعرضهم للظلم أكثر من أي فصيل معارض وكانوا يشاركون باقي القوى السياسية وحركات التغيير والشباب في مطالب الحرية والديمقراطية والعدل، ولكن بعد أن تولوا السلطة فعلوا عكس ما وعدوا به.. إنها السلطة.

في يوليو 1952 قام الضباط بخلع "فاروق" الفاسد المنحل الغارق في اللذات، لكنهم مع مرور الوقت تحولوا لعدة "فواريق" أكثر فسادًا وانحلالاً وانغماسًا في اللذات من فاروق الأصلي.

وعدوا بـ 6 مطالب على رأسها إقامة حياة ديمقراطية سليمة لم تتحقق إلى اليوم، نعم كانت هناك عدالة اجتماعية بصورة أو بأخرى لكن كان هناك أيضاً استبداد وفساد للطبقة الحاكمة التهم المكتسبات حتى هزيمة 67.. إنها السلطة المطلقة.

لم يلتزم السادات بالحفاظ على مكتسبات يوليو وفي عهده كان الانفتاح السداح مداح وعاد الإقطاع بشكل جديد، حتى ما أطلق عليه ثورة التصحيح كانت أكذوبة كبرى، ففي عهده لم ينته الاستبداد ولم تنته ظاهرة زوار الفجر ولم تقام حياة ديمقراطية سليمة بل كانت ديمقراطية شكلية لها أنياب.. إنها السلطة.

أما مبارك الذي بدأ فترة حكمه بعبارة الكفن مالوش جيوب كان مثالاً سيذكره التاريخ في تزاوج المال مع السلطة والفساد والاستبداد والظلم والقهر والكذب والخداع والتدخل الخارجي.. إنها السلطة المطلقة وغياب الشفافية والمحاسبة.

بالتأكيد مرت الديمقراطيات الغربية بتجارب فاشلة مشابهة منذ عشرات وربما مئات السنين إلى أن استقر الأمر في النهاية وأصبحت الأنظمة الحاكمة هناك ديمقراطيات راسخة وإن لم تكن تخلو من الشوائب لكن على الأقل حالياً هناك ثوابت تعبر عن الديمقراطية الحقيقية وليس الصورية مثل المشاركة وتداول السلطة واحترام الأقليات والتعايش والمواطنة وعدم الإقصاء واحترام الاختلاف واحترام دولة القانون.. وربما هذا هو الفارق بين الدول المتقدمة والمتخلفة.

لكن مجموعة الأسئلة التي تطرح نفسها الآن.. هل تَعلم الإسلاميون عمومًا والإخوان تحديدًا من تجربة حكم مرسي؟؟ وهل لو في يوم من الأيام.. في المستقبل البعيد.. البعيد جدًا.. إن حدث وعادوا للسلطة .هل سيكررون الأخطاء مرة أخرى.. وهل يعترفون بها من الأساس؟

وبما أننا حسبما يقول الناصريون حاليًا في عهد ناصري جديد.. وأن السيسي هو عبد الناصر الذي خرج من قبره.. هل سيتم تكرار نفس أخطاء التجربة الناصرية؟

والسؤال العجيب هو.. أليس من أسباب دعم الناصريين للسيسي هو أن يواجه أمريكا والغرب وإسرائيل والعالم كله؟ لكن السيسي نفسه اعتبر أمريكا والغرب أصدقاء ونفى نظرية المؤامرة، وكذلك نفى أي نوايا لخرق أو تعديل كامب ديفيد .ويبدوأن التنسيق مع إسرائيل سيظل كما كان في عهد مبارك أو أكثر عمقًا..فلم لا يزال الناصريون داعمين للسيسي رغم أنه ضد جوهر المشروع والخطاب الناصري.. فلا عدالة اجتماعية ولا ممانعة.. إنها السلطة التي أصبحوا مقربين منها.

وهل من يطلقون على أنفسهم ليبراليين أو قوى مدينة لهم علاقة بأي ليبرالية أو مدنية؟

كيف يكون ليبراليًا ويدعم الحكم السلطوي ويبرر للقمع والاعتقال العشوائي وغياب العدالة وغياب الحريات ويدافع عن تكميم الأفواه وإنهاك الحقوق، كيف يكون قوى مدنية ويدافع عن الدولة العسكرية أو يتغاضى عن استخدام الدولة للدين في السياسة وتكفير المعارضين أو المقاطعين للعملية السياسية، إنهم ليسوا ليبراليين أو لهم علاقة بالمدنية..إنها السلطة التي ينتظرون الفتات منها،ولو حكمنا هؤلاء يوماً ستكون فترة حكمهم أكثر فشلاًواستبدادًا من فترة الإخوان.

والسؤال الأصعب.. ماذا عن القوى الثورية إن وصلت للسلطة؟ هل لو وصلت القوى الثورية للسلطة ستتحقق فعلاً مطالب وأهداف والتغيرات التي تحتاجها الثورة؟

أشك في ذلك بصراحة.. إن كثيرًا منهم الآن أو سابقًا يعتمد منهجهم على التخوين والإقصاء وعدم احترام الاختلاف والجعجعة والصوت العالي في الخطاب.

هل نتفق جميعاً حول ما الحرية والديمقراطية والعدالة؟.. هل يمكن أن يصل أحد للسلطة بدون استبداد وإقصاء؟ هل يمكن أن نمارس السياسة بدون تخوين وتشويه وتصفيه واغتيال معنوي للآخر؟

كنت دائمًا إصلاحيًا أؤمن بالوسطية والحلول التوافقية وضرورة المشاركة والتجربة والخطأ والتعلم.. ولكن أليس الابتعاد عن السلطة غنيمة؟ أليس عدم اللعب من خلال قواعد اللعبة القذرة التي فرضها النظام هو عين العقل؟.. ألانحتاج جميعًا لإعادة تعريف الكثير من المفاهيم التي تم ابتذالها في مصر مؤخراً خصوصا حول الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة والدولة المدنية؟؟

حتى المسار السياسي والإصلاحي مسدود، والبدائل غائبة، وأحياناً أفكر.. هل اللاسلطوية هي الحل؟

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -