- تخيل مثلًا أنك ذاهب لشركة ما لإجراء interview وظيفى، كنت جاهزًا وتوقعت جميع أنواع الأسئلة الممكنة، تعرف أكثر من لغة ومؤهلاتك وخبراتك تفوق أى شخص فى ظنك .. تجلس بثقة واقتدار، تنتظر، يأتى ال HR، ثم تبدأ الحفلة ..

كم عدد الأحجار المتوسطة والكبيرة التى كانت فى وسط الطريق أو بجانبه وصادفتها فى طريقك ؟ .. كم عدد اللوحات الإعلانية ؟ .. اذكر كل أرقام السيارات التى رأيتها وأنت قادم ؟ .. كم عدد الأطفال الذين رأيتهم ؟ .. كم شخصًا قابلته فى طريقك للشركة يرتدى بذلة كاملة ؟ .. كم مطعمًا للوجبات السريعة فى الطريق ؟ .. هناك ساعة فى الميدان الفلانى فى طريقك لا تعمل، إلى أى ساعة تشير العقارب بالظبط ؟ .. كم عدد أعمدة الإنارة التى أمام الشركة ؟ .. ما لون السيارة التى رقمها 673 ؟ .. ما لون ربطة عنق أمن بوابة الشركة ؟ ..

ألف مبروك .. لقد خسرت الوظيفة، وبجدارة !

___________________________

- س : هل تعرف بريان ؟

Brian Scholl، عالم نفسى شهير ومدير مختبر الإدراك والمعرفة فى جامعة يال ( Yale Perception and Cognition Laboratory ) .. محور حياته هو دراسة ما يُسمى ب " تركيز المخ " ..

يشرح بريان آلية عمل الدماغ .. يتلقى الدماغ كمية هائلة من المعلومات باستمرار أكبر من قدرته على التحمل، لذلك، يقوم المخ بعملية معالجة مستمرة للتركيز على جزء رئيس أو مناسب من كل هذه المعلومات، لو افترضنا أنه هناك عقار ما قادر على دفع المخ للقيام بعملية معالجة لكل البيانات التى تدخله يوميًا عن طريق السمع والبصر والشم واللمس فسيتوقف المخ عن العمل فورًا .. يمتزج ويختلط كل شىء، ويصاب بالشلل الفورى !

تمر أمامنا كل يوم ملايين التفاصيل والمعلومات الضئيلة والصغيرة والضخمة الواضحة لكن العقل يتجاهل كل شىء ويختار التركيز على ما هو مهم بالنسبة لكل شخص .. عملية تعرف بال " Inattentional Blindness " أو العمى غير الإدراكى، العملية الضرورية لعدم تلف المخ ومواصلة الحياة ..

___________________________

س 2 : تخيل أنك فى مكان إسرائيل، دولة محاصرة بين ثُلة من الدول المعادية، كيف تؤمن نفسك ؟

لديفيد بن جوريون _ أحد مؤسسى الكيان الصهيونى الأوائل _ مصطلحًا صاغه مع المؤسسين يدعى " عقيدة الأطراف "، المصطلح ببساطة هو تجسيد مطلق لل proactive thinking .. حين أقاموا الكيان بقوة السلاح، عرف بن جوريون أن إسرائيل ستصبح مثل قط شرس محاصر بين الدول العربية، ومع وجود كل الضمانات الظاهرية من اتفاقيات تعاون وديكتاتوريات وفساد وشعوب مغيبة استهلاكية ودعم غربى لا محدود إلا أنه عرف أن كل ذلك عوامل مؤقتة لا يعول عليها بالكامل ..

لذلك .. كانت " عقيدة الأطراف " والتى تنص على التفكير خارج الصندوق، تجاوز الدول العربية لتأسيس علاقات مع من حول العرب، أفريقيا، آسيا، وضمان أذرع إسرائيلية خالصة هناك، بحيث تصبح الدول العربية هى المحاصرة ..

باختصار أكثر .. ( حاصر حصارك ) !

___________________________

- هناك نوع من الوعى المتنامى بالدور الإسرائيلى فى أفريقيا ساهمت فيه عوامل مثل الثورة ومواقع التواصل الاجتماعى وتصادم حرب المياه القادمة المبكر والعلاقات المصرية الأفريقية .. وعي متنامى ببطء لكن بثقة .. هذا جزء من الصورة، بعض التفاصيل، لكن ماذا عن الصورة الكبيرة ؟ .. التفاصيل الأخرى التى يحجبها العقل أو لا تراها بالأساس ؟

___________________________

الهند .. البلد السابع على العالم من حيث المساحة والثانى من حيث السكان، يقطنها مليار و 300 مليون إنسان تقريبًا .. وتُعتبر من أسرع اقتصاديات العالم نموًا والمنجم العالمى الأول لعباقرة الحاسب الآلى والمهندسين .. خلف كل 10 حواسيب صناعة وفكرًا ستجد هنديين أو ثلاثة على الأقل .. والأهم، المستورد الأكبر للسلاح فى العالم !

فى 26 / 11 / 2008، حدثت مجموعة من الهجمات المنظمة المتزامنة فى مومباى، عاصمة الهند الاقتصادية، قامت مجموعات " إرهابية " بالهجوم على فنادق ومحطات قطار ومستشفيات ضخمة ومجمعات سكنية مثل مُجمع " ناريمان هاوس " الذى كان يقطنه عدد كبير من الإسرائيليين وبه مركز ثقافى يهودي .. قُتل تقريبًا فى الهجمات 200 شخص وإصابة عدد يقترب من الألف، وعلى رأس القتلى كان " هيمنت كاركَرى " رئيس قسم مكافحة الإرهاب الهندي..

بعد هذا الحادث مباشرة، تم عقد بروتوكول تعاون بين تل أبيب ونيودلهي لمكافحة الإرهاب، توسعت تل أبيب فى تصدير السلاح لتصبح الهند إحدى أكبر أسواق الكوكب المستوردة للسلاح الإسرائيلى، سفن حربية وأنظمة مراقبة ورصد وإنذار مبكر وأنظمة تسليح وطائرات بدون طيار، ثم توسع التعاون أكثر وأكثر ليشمل تصدير صواريخ وأنظمة تسليح للمقاتلات، ثم أتت المرحلة الثالثة ( التعاون فى صناعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات ) ..

لم يقتصر التعاون على السلاح الإسرائيلى فقط، بل إمتد للزراعة والطب، حسب تقرير للكاتب الفلسطينى " عدلى صادق " فإن تل أبيب أسست مركزًا زراعيًا تطبيقيًا على مساحة واسعة يتخصص فى تدريب المزارعين الهنود على التقنيات الزراعية الإسرائيلية .. ولأن المركز حقق نجاحًا غير مسبوق فقد أسست تل أبيب عشرة مراكز زراعية أخرى فى عشر ولايات هندية !

بروتوكولات تعاون وثيقة وبرامج تدريس مشتركة بين جامعات الهند وجامعات إسرائيل .. علاقات تجارية تُقدر ب 5 مليارات دولار وصفقات عسكرية قدرت ب 9 مليار فى 2009 فقط، تزيد باستمرار .. والأهم، حقول غاز البحر المتوسط !!

___________________________

بعد أن باع النظام الإنقلابى بقيادة " عبد الفتاح السيسى " ومن قبله المجلس العسكرى قضية إحتياطات غاز البحر المتوسط الطبيعى _ إحدى أضخم إحتياطات الغاز الطبيعى على الأرض _ وتسببوا فى فقدان مصر حقها الطبيعى فى حقول الغاز البحرية المصرية القبرصية المشتركة ومن ثم إستيراد الغاز بكميات مُعتبرة، ستصبح إسرائيل قريبًا من أكبر مصدرى الغاز الطبيعى فى العالم ..

لمن تعطى تل أبيب حق التنقيب عن الثروة النفطية الرهيبة فى البحر المتوسط ؟
الشركات الهندية طبعًا .. حقل حيفا بمفرده يكفى لتغطية حاجة إسرائيل المحلية وبعدها يتبقى 40% للتصدير .. بشرط .. تُمنع أى علاقات من أى نوع بين الشركات الهندية .... وإيران !

أيضًا، يتم استغلال المحيط الهندى فى نشر الغواصات الإسرائيلية والتى تمثل ثانى قوة ضاربة لدى تل أبيب عسكريًا، هذا يساعد فى تطويق دول الخليج ومحاصرتهم بشكل لا يوجد فى البحر المتوسط أو البحر الأحمر مثلًا .

___________________________

هذا جزء من الصورة الكبيرة، وهى الصورة بالتأكيد التى تتعدى أفريقيا، داعش، الخلافة، رفح، وكل مفردات الحياة اليومية التى لا تمثل شيئًا كبيرًا ..

تجربة الشباب التركى الملهمة لإنشاء شركات والمغامرة فى بعض الدول الأفريقية هى المطلوبة حاليًا، المصريون فى الخارج دورهم أكبر بكثير مما يفعلونه الآن .. أتكلم عن شريحة " الشباب الواعى " فقط وهى القادرة على التخطيط والحركة البسيطة فى البداية .. تشكيل تحالفات وقوى ناعمة تصب فى مصلحة يد ضاغطة على النظام الإنقلابى، ومزاحمة إسرائيل فى شىء يسير مما تفعله فى بلاد الله إلى أن يكبر هذا الشىء ببطء ..

ما أعرفه وأفهمه أن الوعى قبل الحركة، بدون وعى تام بالصورة الكبيرة ومحاولة تقليل العمى غير الإدراكى بقدر المستطاع لا توجد حركة، أي حركة .. وهناك حينها هزائم ساحقة .. هذا هو ألف باء المنتصرين .


0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -