كلمات ثلاث، نحاول من خلالها، أن ننسج رؤية لما بعد الانقلاب العسكري في مصر؛ تشكل جوهر إدارة الحياة المصرية على طريقة معينة، تخرج عن إطار القرار المدروس والخيار الدقيق، الذي يقوم على أسس علمية، ودراسة مستقبلية. تشير هذه الكلمات إلى ما هو متعارف عليه بين الناس، بما يسمى التكنولوجي، وما تقوم به دائرة الانقلاب باستبدال هذا الأمر بطريقة حياة أخرى، يمكن أن نعبر عنها بـ "الكفتولوجي"، ويسهم هذا الشعب بعبقريته في التعبير عن احتجاجه بسخريةٍ، في إطار ما يمكن تسميته "النكتولوجي".
لا شك في أن الحديث عن ثورة التكنولوجيا والاتصالات والمعلومات تشكل أهم طبعة في التقدم الإنساني، بما تحركه من طاقات علمية جعلت التواصل بين بشر هذا العالم في حالة اتصالية غير مسبوقة، وصارت هذه التكنولوجيا علامةً على ترتيب الدول في مصاف التقدم الإنساني، وبما تعبر عنه من طاقة العلم في أية دولة، حينما تشكل براءات الاختراع أهم مؤشر في ترتيب الدول، إنْ تقدماً وإنْ تأخراً، في مجال التكنولوجيا.
إلا أنه، في إطار من التعامل باستهانة واستخفاف من خلال المنظومة الانقلابية، تم الإعلان عن جهاز يقوم بمعالجة الإيدز وفيروس سي الكبدي وأمراض كثيرة أخرى، حتى وصل بهم الحال إلى أنه يعالج الصدفية، وبدا هذا غريباً ومستغرباً في الدوائر العلمية والبحثية والتقنية والطبية، إذ عبّر ذلك، في حقيقة الأمر، عن حالةٍ تتعلق بطريقة التفكير، وصار التندر بشأن هذا الجهاز الذي ارتبط باسم صاحبه، حتى أن بعضهم تندر على هذه الطريقة، وسماها "الطريقة العبعاطية"، وأطلق بعضهم على هذا الجهاز "جهاز الكفتة"، نظراً للمقولة التي وردت على لسان من صدّروه للحديث عن ذلك الاكتشاف، وفي الوقت نفسه، كانت هناك اكتشافات أخرى، حوربت في ذاتها، وحورب أصحابها، كان آخرها المخترع الصغير عبد الله عاصم.
فبدلاً من الحديث عن التكنولوجي وأهميته، صار الحديث عن الكفتولوجي وإعجازه العلمي، وحينما طالبنا بالسند العلمي، كانت السخرية من هؤلاء. وفي بادرة غير مسبوقة، تحدى هؤلاء الجميع، وأكدوا أن علاج الناس الذين تقدموا بطلباتهم سيتم في الأول من يوليو/تموز 2014، وانتظر الناس حتى قبيل الوفاء بهذا الوعد بأيام قليلة، فقرروا التأجيل للقيام بالأمر ستة أشهر أخرى، ومن دون أي سبب مفهوم، أو مبرر معقول، أو معلومات وبيان مقبول. دار هذا الأمر، في إطار الإشارة إلى الطريقة "الكفتجية للإدارة الانقلابية"، وترافقت، مع ذلك، العودة إلى تعيين القيادات الجامعية، بدلا من انتخابها، لتعبر عن أسلوب تسييرٍ، يقوم على قاعدة عقلية القطيع، لا عقلية الاختيار والانتخاب.

"الكفتولوجي"، إذن، وعبد العاطي، أسلوب حياة. الكفتة منهج تفكير، وعبد العاطي وخطابه منهج تسيير وتدبير، ومطالبة الناس بالتصديق للامعقول وغير المقبول منهج تأثير يقوم على قاعدة التزييف والتزوير، وهؤلاء الذين ينصبون برامج الفضائيات للتبرير والتمرير "ينصبون" هنا من النصب والاحتيال. وبالجملة، يقع هذا كله في دائرة منهجِ تغييرٍ، يقوم على مسح الأمخاخ وتزييف العقول، وتزوير الأفهام. ولا شك في أن ذلك كله جعل الأمر في سياق وصم مصر بحالٍ من تدني المكانة، لا تمت بصلة إلى عبقرية المكان والمكانة، حينما أشار إليها جمال حمدان، والذي أين منه من "عبد العاطي" وأين مصر الموقع لا الموضع عند "حمدان" من مصر "أسفل سافلين"، في المكانة على طريقة "عبد العاطي" والكفتولوجي، إن مصر "أمّ الدنيا وهتبقى أدّ الدنيا"، ليس بالخطاب الناعم أو فائض الكلام أو "زخرف القول غروراً". ولكن، بطرائق الحياة، التي تصنع الضمانة والمكانة للوطن، ولكل هذا سنن وقوانين مضطردة.

أخطر ما نشير إليه، في هذا المقام، ليس الأمر الذي يقع في دائرة تدني المكانة، ولكن الأخطر من ذلك بكثير في علاقة طريقة "الكفتولوجي" "بتصنيع الأمل الزائف"، لتعبر عن طريقة أخرى، وأسلوب متدنٍّ من الإدارة الكفتجية للمنظومة الانقلابية. كل ما تبشر به هذه الإدارة إنما يقع في مساحات الأماني الكاذبة، وتصنيع الآمال الزائفة، وكل وعود يمكن أن تطلقها لا يمكن بحال تصديقها، فالمليون وحدة سكنية تعلن الشركة الإماراتية، التي تقوم عليها مشكلات ومؤشرات على إفلاسها واستقالة رئيسها، والمليون فرصة عمل للمصريين في الإمارات صارت سراباً غير ممكن التحقيق. وفي النهاية، صارت الوعود سراباً، والأمل زيفاً، والمشروعات كذباً في كذب، لم يبق إلا حقيقة واحدة "مفيش".."معنديش" .."مش قادر أدّيك".

أخطر من ذلك وأشد أن تقع تلك الآمال الزائفة والأماني الكاذبة على قطاع من المصريين، بدا تعلقه بهذا السراب الزائف في أملٍ بشفاء وتلاعبٍ بوجدان الناس وأحوالهم وأمراضهم. أين كل هؤلاء من هذا العبث والخرافة وغسل الأمخاخ وعقلية القطيع، وكل أمر يتعلق باللامنهج أو اللاعلم؟ لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، حينما يقول بعضهم من أمثال الدكتور خالد منتصر: إنه أخيراً، انتصر العلم على الخرافة، فهل يمكننا القول إن "عبد العاطي" ضحك وخدع المصريين، أم إن مؤسسة في هذه الدولة هي التي تبنت واحتضنت ذلك، وروجته من خلال إدارتها الهندسية؟ الأمر، يا سادة، يتعلق بالعقلية الانقلابية، ولكن، حيث إن بعضهم يساندون الانقلاب، ويهاجمون طريقة "عبد العاطي"، فإنهم بذلك يتركون الأصل، ويهجون الفرع، ولا يشيرون إلى تلك الحالة الانقلابية التي أفرزت صناعة الإذعان، وعقلية الزيف والتزوير والتمرير والخداع والتغرير.
إنها خطط تمرير لغير المقبول وغير المعقول وغير المدروس وغير المبحوث وغير المخطط. يقومون بذلك كله، في إطار صناعة عقلية القطيع، وقبول الإذعان، وهندسة الرضا الكاذب بخطط غسيل الأمخاخ وتزييف العقول. هذه هي القضية الأساسية التي يجب أن نتوقف، عندها، في مواجهة حالة الخبل واللامعقولية الانقلابية التي تمارس كل ما يتعلق بحالة من البطش والقمع، وفي إطار تسويق وترويج دخول المصريين صناديق الخوف المقترن بعقلية الإذعان، من المصفـّقين والراقصين. إنها عقلية اللامعقول، التي تقوم على تقبل كل أمر، مهما كان غير مقبول، شعارها "الاستحمار طريقة حياة". ومن هنا، تبدو الأمور أخطر ما تكون في تسيير حياة الناس على هذا النهج وذلك الأسلوب.
والشعب المصري بوعيه الفطري، إذ ينقسم إلى مجموعة القابلين للخداع، والذين صدقوا هذه الآمال الزائفة والكاذبة، فإن هناك قطاعا كبيراً منه عبّر عن احتجاجه في مواجهة هذا اللامعقول والجنون، بالنكتة والقفشة والقلشة كعادته، مثلت مساحات وسائل التواصل الاجتماعي ميداناً لذلك كله. لو درس هذا التناول الساخر بعناية، لقدمنا رؤية شعبية واعية وواعدة، لا يمكنها تصديق هذا الزيف، ولا عمليات التزوير والتمرير الممنهجة، فدشنت مواجهة كل هذا من خلال عبقرية "النكتولوجي".
بين العلمية والتكنولوجي، بين عبد العاطي والكفتولوجي، بين وعي الشعب الفطري والنكتولوجي، يأتي هذا الرفض والاحتجاج للحالة الانقلابية وإدارتها على الطريقة الكفتجية. آن الأوان لأن يدشن الناس الكيفية، التي يصيغون بها منهج حياتهم، ويؤكدون صناعة مستقبلهم. إننا، مرة أخرى، على طريق الخيار بين أسلوبين "مخترع المشير والطريقة الكفتجية" وبين "المخترع الصغير والطريقة العلمية المنهجية"، بين الإدارة الانقلابية القمعية الأمنية وإدارة الحياة السياسية والمجتمعية على الطريقة والآليات الديمقراطية.

0 التعليقات:

Post a Comment

 
الحصاد © 2013. All Rights Reserved. Powered by Blogger Template Created by Ezzeldin-Ahmed -